خطوة للأمام في معمل كونسروة دمشق.. خطوات حكومية تؤدي إلى هدمها
تختلط في محافظة ريف دمشق وغوطتها المساحات الزراعية الواسعة مع الورش والمعامل لتجعل من "التوتر العالي" الذي تشهده هذه المحافظة ينقل آثاره ليس الأمنية فقط بل الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، إلى العاصمة دمشق وإلى مستويات الإنتاج السوري والمقدرات الاستهلاكية للسوريين وبالتالي مستوى معيشتهم.
فالمحافظة التي تعتبر المركز الصناعي الثاني بعد محافظة حلب، تحتل أيضاً المركز الثاني من حيث حجم الدمار في الأزمة الوطنية التي تعيشها سورية، ولكن مع ذلك يبقى وسط الدمار مراكز إنتاجية تستمر في العمل وتخلق من ظروف الأزمة حافزاً ونموذجاً للسير إلى الأمام..
ويبقى كذلك الساعون بلا كلل "لضرب" هذه النماذج لتتكثف في معمل واحد من معامل القطاع العام كل معالم الأزمة السورية تفاني العمال وتضحيات الوطنيين المهتمين جدياً بالبناء والاستمرار، وكذلك ممارسات قوى الفساد والليبرالية الاقتصادية الذين مازالوا يسعون للإجهاز على ما تبقى من معامل القطاع العام المنتجة..
قاسيون قصدت معمل كونسرة دمشق في بدايات منطقة المليحة في ريف دمشق الشرقي، وكان لها لقاء مع عمال ومدير المعمل أسد شعبان المقال بعد يوم من الزيارة..!
إحياء معمل الكونسروة.. علاقة إدارة وعمال
أعلن مدير المعمل السيد أسد شعبان عن تحقيق نسبة إنتاج وتنفيذ للخطة وصلت 60 % حتى نهاية الربع الثالث من حيث الكمية، وستبلغ 100% في نهاية الرابع، والمبيعات وصلت إلى 204 مليون ل.س، وهو ما جذب قاسيون ووسائل الإعلام الرسمية التي وصلنا لنجدها في المعمل، فالإنجاز يأتي بعد سنوات من الخسارة المتكررة قبل الازمة والتهديد بإغلاق المعمل، المصنف وفق مؤسسة الصناعات الغذائية ضمن المعامل الخاسرة بمقدار 40 مليون ل.س وكانت عملية تحويله إلى ملاك "وزارة التربية" مسألة وقت فقط..!!
مراحل في "عمر المعمل"
قدم لنا مدير المعمل أسد شعبان المقال بتاريخ 7-11-2013 بعد يوم واحد من إجراء اللقاء معلومات عن مراحل عمل المعمل السابقة، والتغيرات في المرحلة الحالية.. المعمل الذي يعود تأسيسه إلى عام 1966 ليؤمم لاحقاً ويتبع للقطاع العام. طبيعة العمل تعتمد على استغلال الفائض من كافة المنتجات الزراعية وتصنيعها وتقديمها للمستهلك كمنتجات معلبة "الكونسروة"، حيث وصل إنتاج الشركة في بداياتها إلى أكثر من 100 صنف، مادة رب البندورة هي المنتج الرئيسي، بالإضافة إلى كافة أنواع المربيات، كافة أنواع البقوليات، خشافات الفواكه، الفطر، الأرضي شوكي، الزيتون المحلى، المخللات، أكثر من مئة صنف مختلف كمنتج نهائي..
الشركة كان يتبع لها خمس وحدات وحدة إدلب، الميادين، مزيريب، الحسكة، جبلة ومعمل في منطقة القابون ومعمل الغوطة، تم إغلاقها جميعاً في مراحل سابقة..
حيث يؤكد المدير المقال "بأن الخط البياني للشركة كان هابطاً في عملية غير مفسرة، لأن المعمل بطبيعة إنتاجه "كمنجم ذهب" ولا يحتاج إلا إلى العمل والتشغيل ليحقق عائداً.."
وبينما يرفض شعبان أن يحمل المسؤوليات عن التراجع السابق لجهة محددة، يؤكد على أن الأهم هو استمرار العمل مع قليل من الشروط الضرورية ومزيد من الصلاحيات لزيادة مرونة العمل في الظروف الطارئة الحالية. إلا انه يعتبر أن عمليات إغلاق الوحدات السابقة هي "جريمة" غير مبررة، حيث لم تتوفر أي أسباب مقنعة لإيقاف معمل مزيريب مثلاً الذي يتواجد ضمن منطقة إنتاج المادة الأولية أي البندورة في محافظة درعا، التي يتم اليوم شحنها ونقلها من درعا إلى ريف دمشق لتصنيع مادة رب البندورة، ولحد الآن تتكرر مطالب مزارعي محافظة درعا بإعادة تشغيل المعمل في كل فرصة تتاح لهم،نظراً لما يوفره ذلك من أجور نقل ويقلل من المخاطر الأمنية التي تعيق نقل المادة الأولية من درعا إلى ريف دمشق وتؤخر الإنتاج، وتزيد تكاليفه النهائية على المستهلك..
السنوات الثماني قبل الأزمة كانت الأسوأ بحسب تصريحات العمال، والفرق نوعي في عمليات الإنتاج خلال عام 2012 و2013 على الرغم من الصعوبات الأمنية.. بحيث يربط العمال هذا الفرق بتعاون الإدارة مع العمال وبإعادة التشغيل..
الآلات.. ذاتها
يشير السيد أسد أن آلات المعمل هي ذاتها في المرحلة السابقة، ولكن كان المطلوب تشغيلها فقط وتأمين المستلزمات الأولية لها، فخط المشمش مثلاً ينتج 15 طناً في 8 ساعات عمل وذلك في حال توفر مستلزمات الإنتاج الكاملة.. وخط البندورة بطباخين استطاعة الخط الواحد الفعلية 200 طن باليوم في 24 ساعة، نظمت ورديات العمل لثلاث ورديات يعمل العمال فيها لمدة 7 ساعات وبذلك تم تشغل الخط بشكل كامل تقريباً بالمقابل أصبحت ساعات عمل العمال أقل.
أما بالنسبة لخط إنتاج "الاسبتك" الذي أثير الجدل حوله عند استيراده من إيطاليا لمصلحة المعمل في عام 2004 وأشيع عن عدم استخدامه لعام 2006، فيشير شعبان إلى أن "الخط المؤتمت بالكامل ينتج أصنافاً لا تمسها الأيدي وعالية الجودة، إلا أن مشكلة تشغيله في المرحلة الحالية تكمن في حاجته إلى تزويد وضخ مستمر بالمنتج الزارعي ......، وهو ما لا يمكن توفيره في الظروف الحالية وصعوبات تأمين المادة الأولية، إلا أن تشغيله والاستفادة منه موضوع في خطتنا واستهدافنا"..
دعوا المعامل تعمل..
تكمن صعوبات عمل المعمل في الظروف الحالية بتأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج التي ترتبط كذلك بمشكلة نقص السيولة، وهي ترتبط برأي السيد شعبان المدير المقال بنقطتين رئيسيتين تلخصان برأيه عملية إصلاح القطاع العام بمجمله "الصلاحيات والمحاسبة" يقول شعبان: "أعطى قانون الاستثمار رقم 10 صلاحيات للقطاع الخاص أكثر من صلاحيات القطاع العام.. ومسألة النجاح والفشل والقدرة على المنافسة تعتمد إلى حد بعيد بمسألة الصلاحيات ليعمل المعمل ويتخذ قراراته بسرعة ويكون قادراً على تنفيذها، فكيف تؤتمن الإدارة على شركة بقيمة مليارين أو ثلاثة مليارات ل.س، ولا تؤتمن على اتخاذ قرار سريع لا يؤخر عملية الإنتاج.. فالقطاع الخاص يأخذ قرار الشراء وينفذه بسرعة بينما على القطاع العام أن يعلن لثلاث مرات في بعض الأحيان وقد يفشل الإعلان، وكذلك تلزمنا القوانين أن نقوم بعقود بالتراضي وقد لا تؤمن السعر المناسب..
يقابل هذه الصلاحيات المحاسبة فلدينا النتائج الربعية والنتائج النهائية هي المعيار وتستطيع أن تكون قياس نسبة المنفذ من المخطط كآلية للمحاسبة وتقييم العمل..
فمن خلال مراقبتنا لتقلبات الأسعار في السوق كانت أسعار نوع من أنواع علب التعبئة بسعر 14 ل.س الآن سعرها بـ 36 ل.س، لو امتلكنا الصلاحيات لأمكننا التحرك وبسرعة مع تغيرات وتقلبات الأسعار وخزنا كمية كبيرة من العلب بالسعر المنخفض، يضاف إلى ذلك الصعوبات المتراكمة من وضع المعمل السابق المتعلق بعدم وجود السيولة وهو ما لا يتيح إمكانية القيام بعمليات الشراء المباشر.."