المستهلك شماعة الساعين لإلغاء «ترشيد الاستيراد»!..
هي أسابيع فقط كانت كافية لإخراج أصوات «استغاثة» المستوردين إلى العلن، للمطالبة بإيقاف سياسة ترشيد الاستيراد، وهم من عاشوا بأغلبهم على أرضية تحقيق الأرباح الخيالية، عبر استسهال استيراد السلع بأسعار زهيدة، لتباع في الأسواق المحلية بأسعار مضاعفة خلال العقد الماضي
إلا أن الطارئ اليوم هو الأزمة وظروفها ومعطياتها، وهي من فرضت «ترشيد الاستيراد» كشرط لازم وضروري، بهدف تأمين احتياجات السوق من المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، والأدوية وسواها من المواد الأساسية بالدرجة الأولى، والحفاظ على الاحتياطي النقدي، ومنع هدره في عمليات استيراد مواد غير ضرورية في هذه الظروف الصعبة، كالأدوات والأجهزة الكهربائية، أو استيراد كميات كبيرة من مواد البناء وسواها، فجميعها غير ضرورية حالياً، وفي ظل هذا الحراك والجدل الدائر اليوم حول ضرورة الحفاظ على سياسة ترشيد الاستيراد من عدمها، إلى من ستميل الكفة؟! ومصالح من ستنتصر في المحصلة؟!
«صراع المصالح»
تكشف مصادر في وزارة الاقتصاد عن السعي لإلغاء سياسة «ترشيد الاستيراد» من جذورها، عبر البدء بتوسيع قائمة السلع والمواد المطلوبة للاستيراد، «لتلبية احتياجات الأسواق» لأن الترشيد خلق حالة «عدم توازن» بين العرض والطلب على حد قولهم، وهم لا يختلفون في طرحهم هذا عن تجار دمشق، الذين طالبوا وزير الاقتصاد «خضر أورفلي» قبل هذا القرار بأيام قليلة، بمنح إجازة الاستيراد لكل من يطلبها من دون استثناء، فهم من سعوا وعملوا لإلغاء سياسة «ترشيد الاستيراد، فتلك السياسة لم تكن مقنعة بنظر «أصحاب الكار» منذ البداية، إلا أنهم قرروا التريث في رفضهم هذا، ليقرروا بعد أقل من شهرين إعلان رفضهم الصريح، ليس حرصاً منهم على توفير السلع في الأسواق كما يدعون، وليس خوفاً على المستهلك من ارتفاع الأسعار «لقلة المعروض منها» كما يقولون، وإنما حفاظاً على أرباحهم ومصالحهم، فأسعار الصرف تراجعت، إلا أن السلع حافظت على ارتفاعها، كما أن إجازات الاستيراد الوهمية تعرّيهم، كما أن احتكارهم للعديد من السلع المستوردة لبيعها بأسعار مضاعفة يفضحهم، ليمارسوا سياسة النهب الممنهج بحق السوريين من بوابة احتياجاتهم الأساسية دون أن يردعهم أحد، فالمنفعة الشخصية هي صاحبة المصلحة العليا في تحركاتهم، وهي من تملي عليهم مطالبهم، وليست مصالح المستهلكين..
مواءمة الاستيراد لمتطلبات السوق
استند «ترشيد الاستيراد» إلى الظروف التي تمر بها البلاد، والتي فرضت أولويات في عملية استيراد المواد مختلفة عن الأولويات السابقة، وعلى رأسها المواد الغذائية والسلع الأساسية والأدوية والمواد اللازمة للصناعة، أي أن هناك موادّ يمكن الاستغناء عن استيرادها حالياً، فالغاية والهدف من تلك السياسة هو المواءمة بين الاحتياجات الفعلية والضرورية للسوريين في ظروف الأزمة وبين سياسة الاستيراد المتبعة، وهذا ما تحققه سياسة ترشيد الاستيراد التي يجب الحفاظ عليها، فالترشيد لا يعني فقدان المواد من الأسواق، بل هو على حساب الكماليات وغير الأساسيات من المواد، أي أن نقص المعروض لن يرتبط - وفق هذه السياسة – بالأساسيات، بل بالكماليات التي هي خارج دائرة استهداف الشريحة الأساسية من المستهلكين أساساً، ولهذا، فإن لا جدوى من استيرادها، سوى هدرها للاحتياطي النقدي، والمخاوف من كونها إجازات استيراد وهمية ليس الهدف منها سوى تهريب القطع الأجنبي إلى الخارج..
أسئلة برسم المعنيين؟!
زيادة المعروض من بعض المواد الأساسية المدعومة والمستوردة أدى لتهريبه إلى دول الجوار، وتقنين الاستيراد - بحسب التجار- سبب نقصاً في المعروض من بعض المواد، وأدى لاحتكارها، وارتفاع أسعارها، علماً أن ارتفاع الأسعار لم يرتبط بنقص المعروض تاريخياً، بل بالاحتكار الذي مارسه التجار الكبار في الأسواق دون ضوابط قانونية فاعلة، وإذا ما سلمنا بالمعادلة السابقة، فمن حقنا التساؤل، إلى متى سنبقى أمام خيارين أحلاهما مرّ؟! والمستهلك فيها هو الطرف الأضعف، بينما المستوردون والتجار كالمنشار، وهم من يستفيدون في جميع الأحوال!..
أما إذا ما قررنا الخوض في غمار الجدل الذي أثاره التجار والمستوردون، والمدافعون عن فكرة إلغاء سياسة ترشيد الاستيراد، فعندها نتساءل: هل ستنخفض الأسعار إذا ما فتحت بوابة الاستيراد على مصراعيها؟! أم أن حجة الدولار وتكاليف النقل ستكون الكفيلة بإبقاء الأسعار على حالها؟! وهل سيتخلى التجار حينها عن ثقافة احتكار السلع التي يمارسونها منذ عقود على حساب لقمة عيش السوريين؟! خاصة وأن جميع المؤشرات والتجربة التاريخية تجيب بالنفي على كل تلك الأسئلة؟!