ضبط الأسعار وتوفير السلع.. الحكومة وعدت والشعب ينتظر..
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن نية الحكومة بشكل جدي التدخل إيجابياً بالأسواق وتأمين كميات كبيرة وتشكيلة واسعة من مختلف السلع والمواد، بهدف كسر الاحتكار، حيث كشف رئيس الحكومة عن التحضير لافتتاح معارض تسوق ضخمة في دمشق والمحافظات،
وفتح منافذ بيع جديدة..
هذه التصريحات ليست وليدة اللحظة، لكن الاستيراد بحاجة لقطع أجنبي أو استفادة من ميزات وتسهيلات مقدمة من إحدى الدول، وبحاجة لمنافذ بيع، وأخيراً بحاجة لرقابة وضبط..
ما الذي يتم إنجازه حتى اليوم والذي يعطي رئيس الوزراء وائل الحلقي كل هذه الثقة ليعلن أن الدولة ستغرق السوق بالبضائع والمواد الرئيسية، هل بدأت الدولة تمتلك أدوات جدية لتحويل فكرة الدولة كتاجر رئيسي إلى حقيقة . أم أن ما يتداول مجرد تصريحات رنانة لحكومة ذاهبة..
الاستيراد هو أداة الدولة الرئيسية في الظروف الراهنة لتأمين المواد الرئيسية خاصة مع وجود التسهيلات التي تساعد الدولة على تأمين المواد بعيداً عن إشكاليات القطع الأجنبي والعقوبات المفروضة، والتي يؤمنها بشكل أساسي حتى الآن الخط الائتماني مع إيران، الذي تمت الموافقة عليه حديثاً، علماً أن الحديث عنه بدأ منذ مدة لتأمين المواد لشهر رمضان ومن ثم الاحتياجات حتى نهاية العام، إلا أن أياً من السلع والمواد المذكورة سابقاً لم يتم استيرادها فعلياً حتى تاريخه. كما لم تحتكر الدولة عملية الاستيراد، بل تركت المجال للتجار مفتوحاً بشروط توفر عليها منحهم أي قطع أجنبي من مصارفها..ليكون باب الاستيراد الحكومي الذي يؤمن عملية الإغراق المصرح عنها لم يفعل حتى الآن..
ى المصفي- قاسيون
الخطوة الأولى تأخرت!
المؤسسة العامة للخزن والتسويق باعتبارها إحدى مؤسسات التدخل الإيجابي المنوط بها توزيع السلع والمواد المقرر استيرادها، والتي يعتمد على مخازينها الاستراتيجية مثل غيرها في حال تأخر الاستيراد كما ذكرت تصريحات حكومية..
التقت قاسيون مدير فرع المؤسسة بدمشق خلدون الحسن لتسأله عن المخازين والأسعار في المؤسسة والذي ذكر أنه «ما زالت المؤسسة تبيع الكميات الموجودة أساساً في مخزونها الاستراتيجي، ولم تصل أي كميات مستوردة حديثاً من ضمن ما تم الحديث عنه».
وعن دور الخزن في تخفيض الأسعار، أوضح الحسن أنه « لدى المؤسسة مخازين استراتيجية كبيرة من السلع الأساسية، لكنها تعتمد كذلك على التجار المستوردين لتأمين المواد لها، كما تهتم باستجرار بعض المنتجات من المنتج مباشرة وليس عبر التجار خاصة البطاطا والبندورة، سواء من المنطقة الساحلية كما تم مؤخراً أو من مناطق درعا وسعسع وحينة كما يجري حالياً».
الخزن مؤسسة اقتصادية..
ولا غنى عن سوق الهال!
وتصدر المؤسسة العامة للخزن والتسويق نشرة أسعار يومية توزع في صالاتها للالتزام بها، وفي سؤالنا حول أسعار المؤسسة التي تزيد عن سعر السوق ولماذا لا تتحمل المؤسسة جزءا من التكلفة لتخفض السعر عن المواطن..
بين الحسن أن المؤسسة لا تخفض التكاليف بل تسعى للربح وفق قانون إنشائها « مؤسسة الخزن مؤسسة اقتصادية تعتمد مبدأ الربح والخسارة، ومن غير المقبول أن تكون خاسرة». وحسب مرسوم إحداث المؤسسة يجب على المؤسسة أن تتقاضى نسب عمولة ضئيلة مقارنة بالقطاع الخاص، عند بيع منتجاتها في مراكز الجملة الـ60 الموزعة في المحافظات..
وحول فتح منافذ بيع جديدة وتوجه الحكومة لتوسيع هذه المنافذ، كشف الحسن أنه «تم تحديد عدة مواقع في مدينة دمشق ستستلمها مؤسستا الخزن والاستهلاكية لفتح منافذ لهما في تلك المواقع ». وتوجد حوالي 500 صالة بيع بالمفرق في مختلف المحافظات، وبلغ متوسط مبيع الصالة الواحدة في دمشق بين 800-1.2 مليون ليرة، أي أن حجم المبيعات اليومية يقدر بحدود 35 مليون ليرة.
الاستهلاكية خزنت كميات كبيرة لكسر الأسعار
وفي سياق مشابه، تعتبر المؤسسة العامة الاستهلاكية الرديف الثاني لمؤسسة الخزن كمؤسسة تدخل إيجابي وذراعاً حكومية في السوق في حال تم استغلال إمكانياتها بالشكل الأمثل، وحول ذلك قال مدير عام المؤسسة العامة الاستهلاكية هاجم الديب إن «الاستهلاكية تؤمن موادها حالياً عن طريق شرائها من التجار، ولكنها تبيعها بسعر أرخص من سعر السوق، لكونها مخزنة منذ فترة في مستودعاتها وهي لا ترفع أسعارها تزامناً مع ارتفاعات الدولار الحالية، وإنما تبيعها على أساس التكلفة مضافاً إليه هامش ربح بسيط، لذا فإن سلعتها تباع بأقل من أسعار السوق بنسبة تتراوح من 15 إلى 20%، حيث تستفيد مؤسسات التدخل الايجابي من مزايا الشراء بكميات كبيرة ما ينعكس على سعر السلعة».
ويبلغ عدد منافذ الاستهلاكية العاملة خلال شهر رمضان 585 منفذ، من أصل 1020 منفذا موزعة في المحافظات.
المؤسسة تستطيع الاستيراد
وتستورد من التجار
بموجب مرسوم الدمج رقم 464 عام 2000، يحق للمؤسسة العامة الاستهلاكية القيام بالاستيراد لمصلحتها مباشرة مما هو مسموح باستيراده وفق الأنظمة النافذة من غير المواد الممنوعة أو المقيدة أو المحصور استيرادها بمؤسسات التجارة الخارجية وبموافقة وزير التموين والتجارة الداخلية ( وزير الاقتصاد والتجارة)، لكن نشاطها بالاستيراد اقتصر على السكر والرز الحر، بعد عدة تجارب فاشلة في السابق لأسباب تتعلق بالإجراءات المتبعة في الاستيراد. ويعود ذلك بحسب تصريحات سابقة للمؤسسة إلى أن كلف الاستيراد أكثر ارتفاعاً من شراء المواد من التجار المحليين، ولكن مع وجود الخط الائتماني تلتغي هذه الذريعة..
لفت الديب إلى أنه «خططنا قبل شهر رمضان لتعبئة مستودعاتنا بالبضائع قبل أن يرتفع سعر صرف الدولار، كي نتدخل إيجابياً خلال الشهر ولاحقاً سنستفيد من الخط الائتماني الإيراني حيث تم تفعيل الخط والبضائع ستصل قريباً جدا».
وفيما يتعلق بقيام الاستهلاكية بالاستيراد لصالحها مباشرة، بين الديب إن «المؤسسة تقوم بالاستيراد المباشر لمصلحتها بشكل أساسي لمادتي الرز والسكر الحر، حيث تعاقدنا على كمية 5 آلاف طن رز تم توزيعهم في المنافذ، وكمية 2500 طن سكر حر بدأنا باستلامها».
وحول وضع باقي المحافظات، قال الديب إنه «بالنسبة لصالات الاستهلاكية في المحافظات يتم العمل بها بالطريقة نفسها المتبعة في صالات دمشق والأسعار موحدة فيها جميعا»، مشيراً إلى أنه «يتم التنيسق مع البلديات والمحافظين لتعويض تلك الصالات والمنافذ المغلقة بسبب الأحداث والاستفادة من المباني الحكومية والجهات كافة لتفعيل عمل المؤسسة في كل المناطق، حتى حلب بدأنا إرسال البضائع إليها».
وبالنسبة لتصريح رئيس مجلس الوزراء عن إغراق السوق بالبضائع وفتح منافذ بيع جديدة، أوضح الديب إنه «تجري حاليا اجتماعات لمناقشة الموضوع ووضع الآليات اللازمة لتنفيذه، وتعد الاستهلاكية طرفاً أساسيا في تنفيذ العمل وإغراق السوق بالبضائع وفتح المنافذ الجديدة وتفعيل الجمعيات كذلك»..
تمتلك الدولة اليوم جملة مقومات تسمح لها بأن تلعب دورا أساسيا في السوق وأن تحول التصريحات الرنانة السابقة لأوانها إلى وقائع، إلا أن منع القرارات والتسهيلات من الانتقال إلى تنفيذ عملي يعود إلى وزن السوق وقواها في جهاز الدولة، والتي تركت العديد من الثغرات في أدواتها يفترض العمل على تلافيها تحت ضغط الأزمة الشديد، وضرورة مواجهة ارتفاعات الأسعار..
ثغرات.. في عمل مؤسسات التدخل
كثرت الشكاوى في فترات ماضية بخصوص تسليم صالات المؤسسة العامة الاستهلاكية لمستثمرين أو موردين، حيث بدأت الأسعار ترتفع وتتباين بين صالات المؤسسة، وذلك بسبب ضعف سيطرة الإدارة على تلك الصالات وما تبعه ذلك الأسلوب من نفقات ونسب أرباح يجب تحقيقها سنوياً، حسبما أشيع..
تعتمد الاستهلاكية على خدمات الموردين في تشغيل بعض منافذها، حيث يقوم الفرع بإفراد منفذ أو جزء من منفذ مع العناصر العاملة فيه لبيع بضاعة الأمانة مستجرة من مورد بموجب محضر استجرار مواد مقابل عمولة، وتحدد إدارة الفرع – حد الأداء السنوي – للمنفذ أو جزء من المنفذ الذي يمكن قبوله، كما يسمح للمورد وبموافقة إدارة الفرع وإشرافها – وضع عمال فنيين وعلى نفقته للمساعدة في أعمال العرض والترتيب حصراً دون تدخلهم في الأمور المالية والمحاسبية، ويتم إعادة دراسة الأسعار عند الحاجة ويحق للمورد تعديل الأسعار حسب وضع الأسواق بالاتفاق مع المؤسسة.
يحق للمؤسسة الاستهلاكية بيع البضائع بالجملة ونصف الجملة والمفرق، إلا أن الضغوطات الاقتصادية وقلة توافر السلع نسبياً في الأسواق، جعلت من هذه الميزة علامة سلبية برأي المواطن الذي بات يخشى تكديس البضائع بمستودعات التجار وإتاحة الفرصة لهم للاحتكار والتحكم بالأسعار، لذلك صدرت تعميمات مؤخراً بإيقاف البيع بالجملة والاكتفاء ببيع المفرق للمستهلك النهائي، تلافياً لأي خلل متوقع، حسبما أفاد مدير عام المؤسسة هاجم الديب.