القرار الاقتصادي في سورية يبحث عن صانعيه!!..
كثيرة هي الحالات التي ينفي فيها مسؤولون اقتصاديون إصدار قرار ما أو السعي لإصداره، ويصفوه بالشائعة، ليفاجئ عموم السوريين في الأيام القليلة اللاحقة باتخاذه، ولم يقتصر هذا على أيام الأزمة التي نعيشها اليوم، وإنما تُكرّس كظاهرة واضحة للعيان، تنبئ عن اختلال في أداء الحكومات المتعاقبة،
لأنه أفقد -بحسب المتابعين- الأغلبية الساحقة من السوريين الثقة بالتصريحات الرسمية وبقائليها، وبالسلوك الحكومي عموماً، وهذا التناقض بين التصريحات والقرارات فتح الباب واسعاً أمام التساؤل عن الكيفية التي يصنع فيها القرار الاقتصادي في سورية؟! فهل الحكومة هي من يصنع القرار الاقتصادي بمفردها؟! أم هي ذراع تنفيذية فقط لا دور لها في رسم السياسات الاقتصادية العامة؟!
جدلية النفي والإقرار!
بعد أن نفى المهندس سليمان العباس وزير النفط السوري وجود أي نية جديدة لرفع أسعار المشتقات النفطية على المدى القريب في 2 حزيران/يونيو 2013، أتى القرار المفاجئ بعد ثلاثة أسابيع فقط، وتحديداً في 21 حزيران/يونيو من عام 2013 ليسطّر قرار رفع سعر مادة المازوت بنسبة 71.5%، وذلك من 35 ليرة سورية لليتر إلى 60 ليرة سورية..
وعلى صعيد آخر، وفي 3 تموز/يوليو من عام 2013، كشف رئيس المجلس العلمي لصناعة الدواء الدكتور زهير فضلون أن لا قرار بزيادة أسعار الدواء، حيث صرح لإحدى الصحف المحلية قائلاً: «أؤكد أنه لا قرار حكومي بزيادة أسعار الأدوية حالياً»، مخاطباً الصيادلة: «لا قرار بزيادة أسعار الأدوية ولذلك لا تقوموا بمشاكل في أسعار الأدوية».. إلا أن المفاجأة الصاعقة كانت بعد 24 ساعة فقط، وفي يوم 4 تموز/ يوليو أصدرت وزارة الصحة قراراً يقضي برفع أسعار الأدوية في البلاد بنسبة 50% على المستحضرات الصيدلانية التي يبلغ سعرها مائة ليرة سورية ومادون، وزيادة نسبة 25% على سعر الصيدلي للمستحضرات الصيدلانية التي يزيد سعرها عن المائة ليرة سورية، واتخذ قرار رفع أسعار الأدوية الذي كان مثار جدل في أيام سابقة بعد إشاعة صدرت حول هذا الارتفاع!!..
«مجرد إشاعة»
الحديث عن الإشاعات يكثر على لسان المسؤولين الاقتصاديين في هذه الأيام، ففي تاريخ 29 أيار/مايو من عام 2013، نفى وزير المالية زيادة رواتب العاملين في القطاع العام، واعتبر القضية إشاعات لا صحة لها، ولا أساس تستند عليه، لأن الأمر لا يقوم على أية مؤشرات محددة ودقيقة، نافياً أية معلومات لديه حول ما تردد مؤخرا عن زيادة مرتقبة لرواتب العاملين في الدولة، مؤكدا انه لا صحة لما أشيع عن زيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 35%.
لم يطل أمد الإشاعة المنفية طويلاً، حتى جاء قرار رفع بزيادة الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة للعاملين المدنيين والعسكريين بتاريخ 22 حزيران/يونيو 2013 بموجب شرائح على أساس الـ عشرة آلاف الأولى والثانية والثالثة والرابعة للمدنيين والعسكريين، لمن هم على رأس عملهم والمتقاعدين يصل أقصاها إلى 40% وأدناها إلى 5%..
الوزير.. آخر من يعلم!
إذا، هي لعبة كرٍ وفر بين نفي حكومي تحت ستار الإشاعات غالباً، وقرار اقتصادي صادر عن الحكومة ذاتها بعد حين، وبفاصل زمني لا يتعدى الأيام والأسابيع فقط، ليضع علامات الاستفهام الكبرى حول حقيقة صناعة القرار الاقتصادي في البلاد، وهوية صانعيه، فالوزير المختص غير عالم بما تخطط له وزارته من قرارات في أقرب الآجال الزمنية، وهذا ما تُثبته التصريحات الرسمية على اقل تقدير، والوزير هو من يتصدى لنفيها في وسائل الإعلام، لذلك نسأل: من هو صاحب المعرفة المسبقة بتلك القرارات إذاً؟! ولمَ الوزير هو آخر من يعلم؟! خاصة وأن تلك القرارات ليست بالهامشية، بل هي في صلب عمل تلك الوزارات والجهات، كما أن المنطق يفترض التعاون بين مجلس الوزراء والوزارات المعنية في إصدار أي من تلك القرارات في وقت سابق!.. وإذا لم يكن الوزير بالصانع الفعلي لتلك القرارات، فمن الذي يصنعها إذاً؟! وهل الوزير ووزارته مجرد جهة مُصدرة للقرار لا أكثر في هذه الحالات؟!!