من «الضرورة» لا من «الإمكانية»..

من «الضرورة» لا من «الإمكانية»..

انطلاقاً من هذه المقولة الثورية التي ينتج عن الالتزام بها والسير وفقها، خلق الحلول الثورية في كل جزئية عمل، حريّ بكل القوى الوطنية والثورية أن تقدم حلولها الإبداعية في مواجهة الاستحقاقات الكبرى والصغرى منها التي تقع بين نقيضي شدة الضرورة ونقص الإمكانية.

بناء عليه فإن الأزمة الاقتصادية العميقة بمستواها الثاني التي دخلها الاقتصاد السوري بعد الأزمة الوطنية الحالية، تخلق مجموعة من القضايا الإشكالية في مستوى «اقتصاد حرب» والتي أصبح عدم معالجتها لا يقاس بالمعايير الرقمية الاقتصادية أو بمعايير التنمية في الأجل المتوسط والبعيد، لا بل أصبح عدم ابتكار الحلول لها ومعالجتها يقاس بمعايير بقاء جهاز الدولة أو «فرطه»، أو بمعايير بقاء الصناعة الوطنية أم انهيارها، أو بأقصى المعايير التي وصلنا إليها معايير الجوع وتأمين الغذاء والمأوى للملايين، أي معايير البقاء..

جملة من الاستحقاقات كامنة من قبل الأزمة، إلا أن طرحها كقضية للبحث أو للحل بقي «ملجوماً» حتى وصل حد الانفجار.. وعلى جميع القوى الوطنية أن تكون مستعدة للإجابة التفصيلية على التساؤلات التي تطرح الآن أو التي ستطرح لاحقاً، والتي سيمتلك «اللاوطنيون» و«المرتهنون» إجابات وأجندات جاهزة عليها مفصلة على قياسهم..

استحقاقات كبرى

فمن الأبسط ونحو الأعقد والأهم سنحاول أن نطرح هذه التساؤلات..

ظهر في الأزمة تساؤل مصدره الحكومة: من أين تحصل الدولة على الموارد؟ وكان التوجه الأساسي نحو الدعم وتخفيضه، ليطرح تساؤل آخر: ما مصير الدعم الاجتماعي الذي تقدمه الدولة في سورية؟ وارتبطت هذه القضية بزيادة تكاليف هذا الدعم بعد أن رفع سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، ليفتح على جدل أوسع حول الإدارة النقدية لاحتياطي العملات الصعبة مقابل حماية الليرة، والذي نجم عنه استحقاق خطير وهو: ما السياسة النقدية الأمثل في لحظة الحرب؟ وما مستوى الضبط الحكومي المطلوب؟..

فتراجع الاحتياطي دفع نحو إيقاف تمويل مستوردات القطاع الخاص، مترافقاً مع إزالة دعم الفيول ليزداد صراع البقاء الذي تعيشه الصناعة الوطنية العامة والخاصة المتبقية منها قساوة، وهو تحد كبير أمام علاقة الصناعة المحلية بتحريك الإنتاج المتبقي بالحد الأدنى لتخفيف الاستيراد ولتحقيق نسبة من التشغيل، ولحماية الليرة السورية.. ليطرح استحقاق هام: ما نوع وشكل وحجم الصناعة التي يفترض أن تقدم لها الحماية والدعم في لحظة الأزمة؟

بالإضافة إلى استحقاق أساسي مرتبط بالعقوبات الاقتصادية يتجلى بتساؤل من أصدقاؤنا وحلفاؤنا الاقتصاديون أي: التوجه شرقاً أم التوجه غرباً؟

استحقاقات قادمة..

ونطرح هنا موضوعتين أساسيتين أولهما كيف سيعاد إعمار الدمار، من أين ستأتي الأموال وبأي شروط، وكيف ستترتب أولويات الإعمار: الإعمار العقاري، إحياء الصناعة، إعادة العلاقات الاقتصادية، تشغيل القطاعات الرئيسية.. إلخ. والأهم من هذا وذاك ما دور جهاز الدولة في هذه العملية ومن سيدير العملية ويحدد الأولويات، وهي جملة من القرارات السياسية الاقتصادية التي ستوضع فيها جملة الثغرات والتي من المفترض أن تسد..

أما الموضوعة الثانية فهي كيف سنتجاوز الخلل السابق في الاقتصاد السوري والذي قد يستفيد منه أصحاب مشروع التفتيت ويعملون على تجذيره، والمتمثل بغياب الربط الاقتصادي الحقيقي بين مناطق البلاد المختلفة، هذه العملية التي تشكل أرضية موضوعية لربط البلاد بوحدة اقتصادية حقيقية والتي تشكل مقدمة موضوعية لجهاز دولة قوي غير قابل للتفكيك..

أي يجب أن توضع إجابة على استحقاق هام جداً: كيف سنوحد السوريين بمصالح اقتصادية حقيقية مشتركة تعزز الوحدة الوطنية وتتطلب جهاز دولة مركزياً مرتبطاً بدرجات متفاوتة بالقطاعات الاقتصادية.. أو بتبسيط كيف نربط البلاد اقتصادياً بشكل يواجه التفتيت؟

مجموعة هذه الاستحقاقات تمتلك قوى وطنية كحزب الإرادة الشعبية رؤية وإجابات حولها، إلا أن هذه المهمة هي مهمة جميع الوطنيين، لأن المعركة القادمة ستكون في هذا الملعب الاقتصادي ذي البعد السياسي والاجتماعي والوطني العميق.