مؤتمر «التطبيع» في العراق وأحلام أمريكا الأخيرة ما قبل الخروج
بالتوازي مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية في العاشر من الشهر المقبل، وذكرى انتفاضة تشرين الشعبية التي انطلقت عام 2019، وقرب انتهاء الآجال الزمنية المحددة لخروج القوات الأمريكية «القتالية» المزمع، فوجئ العراقيون بإقامة ما سمي بمؤتمر «السلام والاسترداد» للتطبيع مع «إسرائيل» في أربيل يوم الجمعة 24 أيلول.
لقد عقد المؤتمر بمشاركة عدة شخصيات سياسية وعشائرية عراقية دعت إلى التطبيع مع كيان العدو الصهيوني، ولاقت رداً صارماً وحاسماً على المستويين السياسي والشعبي داخل عموم البلاد، بالإضافة إلى دعوات لمحاكمة وطرد المشاركين بهذا المؤتمر، وقد أعلنت كلاً من حكومتي إقليم كردستان والحكومة العراقية عن رفضهما رسمياً لهذا المؤتمر ورفض فكرة «التطبيع» بالمطلق، وأكدت الحكومة العراقية على ثبات موقفها الداعم للقضية الفلسطينية.. إلا أن «مرور» هكذا مؤتمر وإقامته واستكمال أعماله، يدفع بجملة من التساؤلات، ليس أقلها كيفية انعقاده دون علم الجهات الرسمية في البلاد، وصولاً إلى الغاية من توقيته الآن بالتحديد؟
الأمريكيون يفعلون ما بوسعهم قبيل الخروج
ليس مستغرباً، ضمن السياق العام للنشاط الأمريكي والصهيوني المحموم بحملات التطبيع الجارية في المنطقة، أن نشهد محاولة بائسة كهذه في داخل العراق المحكوم أمريكياً أساساً منذ أكثر من 15 سنة، وبينما تقول التحليلات الأولية لمختلف السياسيين بأن الغاية الأولية من هذا المؤتمر تمثل نوعاً من جس نبض الشارع العراقي تجاه المسألة، نرى أن الأمر في الحقيقة يتعدى هذا الحد، وصولاً إلى كونه خطوة أولى تجاه مسيرة التطبيع التي يحاول الأمريكيون والصهاينة بالتعاون مع عملائهم داخل العراق بدفع البلاد إليها- بغض النظر عن إمكانية هذا الدفع فعلياً- بالتوازي مع مساعي التوتير والتفجير التي يعملون عليها داخل البلاد.
يأتي توقيت هذا المؤتمر قبيل حدثين اثنين، الأول: هو الانسحاب الأمريكي من العراق والمنطقة عموماً. والثاني: الانتخابات العراقية.
ففي سياق الخط الأول من الانسحاب العسكري الغربي تستكمل واشنطن نشاطها بتقديم كل ما يمكن تقديمه لحليفها «الإسرائيلي» قبل أن تتركه وحيداً، ويأتي المؤتمر مؤشراً أولياً ومعلناً عن تحريك هذه المسألة قبيل خروج قواتها المحدد زمنياً في نهاية العام الجاري، أي بعد شهرين من الآن كحدٍ أقصى، خاصة وأن الانتخابات العراقية المقبلة من المفترض أن تنشأ عنها حكومة عراقية جديدة، وبهذا المعنى فإن تفجير مسألة التطبيع داخل العراق والتي احتوتها الحكومة الحالية إعلامياً، وأطلقت تصريحات ومواقف حازمة تجاه المسألة، لا تلزم ولا تعبر بالضرورة عن موقف الحكومة المقبلة ما بعد الانتخابات تجاه هذه المسألة نفسها، وبالمثل لحكومة كردستان العراق.
أما في سياق الخط الثاني، فيأتي هذا المؤتمر مشعلاً فتيلاً جديداً من التوتر داخل المجتمع العراقي يطفو على سطحه نقاش موضوعة «السلام مع إسرائيل» برعاية المنظمات المدنية وغير الحكومية والشخصيات السياسية المتواطئة وغيرها مما يعزز الاستقطاب بهذه المسألة، ويجري تثميره سياسياً، وأولاً بمواجهة إيران، خاصة مع سلوك الحكومة العراقية التصعيدي اتجاه طهران مؤخراً.
ما من شك بأن أية خطوة تطبيع على المستوى الرسمي في أي جزء من العراق هي بمثابة خطوة انتحارية بالمعنى السياسي، فالمجتمع العراقي بعمومه يقف صفاً واحداً حول هذا الأمر، وهو ما تدركه تلك القوى السياسية المتواطئة وتدركه واشنطن كذلك، وعليه فلا مجال للحلم بأن يصبح العراق مطبعاً مع العدو، إلا أن هذا الأمر لن يمنعهم من مثل هذه المحاولات المحدودة لإدامة التوتير والفوضى وحدها على أقل تقدير.
التصعيد مع طهران
في 19 أيلول طالب رئيس الأركان العامة بالجيش الإيراني، اللواء محمد باقري، حكومة العراق بإجراء خطوات عملية تمنع أنشطة الجماعات المسلحة المعادية لإيران والمتمركزة في شمال العراق، مشيراً إلى أن هذه الجماعات قد كثفت أنشطتها خلال العام الماضي «بتحريض من الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية الرجعية في المنطقة» مشيراً إلى أن إيران لا تقبل بذلك وستواصل عملياتها ضد هذه المجموعات وتدميرها وأن «من حقنا التصدي لهذه الجماعات، وميثاق الأمم المتحدة ينص على هذا الحق».
لتقوم رئاسة أركان الجيش العراقي في 21 أيلول بالرد على ذلك وجاء ببيان صحفي: «نعرب عن استغرابنا للتصريحات غير المبررة التي نسبت أخيراً إلى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية ... العراق يرفض بشدة استخدام أراضيه للعدوان على جيرانه» ومشيراً إلى ضرورة التزام «الجميع بلغة الأخوة والتعاون».
وليتبع ذلك في اليوم التالي تهديد جديد من وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد، باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاستحصال الحقوق المائية للعراق، قائلاً :إن «بلاده تمتلك أوراق ضغط ضد إيران، منها اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وربما هناك أوراق أخرى قد تستخدمها وزارات عراقية غير وزارته».
لتعيد إيران في 24 أيلول إطلاق تحذيراتها على لسان وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب بالرد على «العناصر الإرهابية» ورعاتها، مشيراً إلى «القواعد الأمريكية والإسرائيلية في إقليم كردستان».
الانتخابات سارية رغم كل التوترات
على الرغم من كل هذه التوترات الفاعلة بالداخل العراقي، وذكرى انتفاضة تشرين الشعبية في الشهر المقبل المصحوبة بعمليات اغتيال نشطائها بشكل مسبق من قبل مجهولين، واستمرار نشاط تنظيم «داعش» الإرهابي والمعارك معه في شمال البلاد وشرقها، والاقتتال العشائري في شرقي بغداد، وعمليات استهداف قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من قبل المقاومة العراقية، أعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إنجاز متطلبات العملية الانتخابية التي من المقرر أن تجري في 10 تشرين الأول، ضارباً كل ذلك بعرض الحائط فيما يبدو أنها الانتخابات الأخيرة لمنظومة «بريمر» التي ستجري بحماية أمريكية.
بطبيعة الحال، لا يمكن التنبؤ بما ستكون عليه حال العراق خلال الشهرين المقبلين، إلا أن جميع المؤشرات تدل على احتمالات عالية بتفجر أزمة جديدة سياسية وأمنية في البلاد، إلا أنها وبحال حصلت فستكون مؤقتة وقصيرة حيث ستصبح إمكانية وفرص التهدئة والحوار السياسي من أجل التغيير الحقيقي المطلوب شعبياً أعلى بمرحلة ما بعد الوجود الأمريكي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1037