(التضخم المفرط) قادم الدولار قد يفقد 35% من قيمته في 2021
يتفق الجميع تقريباً على أن الأزمة الحالية ستطوي صفحة الدولار... وتنزله عن عرش عملة الاحتياطي الأساس عالمياً، ورغم أن تقديرات الآجال الزمنية تختلف، إلا أنّ تراجع قيمة الدولار وانطلاق التضخم في الولايات المتحدة سيدخلها أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية عميقة لم نر سوى بداياتها حتى الآن!
تقول المؤشرات الاقتصادية للربع الثاني من عام 2020: إن التراجع في الولايات المتحدة هو الأكثر حدّة بين جميع مؤشرات مجموعة الدول المتقدمة... حيث تراجع الناتج بنسبة 32% في نهاية حزيران مقارنة بالفترة ذاتها في عام 2019. وهو ما ينبئ بأن التراجع الاقتصادي السنوي في عام 2020 قد يتجاوز أزمة الكساد الكبير عندما تراجع ناتج الولايات المتحدة في عام 1932 بنسبة 12,9% على أساس سنوي لتكون بذلك أزمة عام 2020 هي الأكبر خلال القرن الماضي.
طباعة 3 تريليون دولار في ستة أشهر!
ليس هذا التراجع الحاد وحده هو مؤشر أزمة الدولار، بل مجمل السياسات النقدية والمالية الأمريكية التي لم تعد تنفع في الحفاظ على أفضلية الدولار عالمياً.
فآلية الإنقاذ المعتمدة منذ أزمة عام 2008 والمتفاقمة اليوم أصبحت التهديد الأهم على قيمة الدولار، وهي المتمثلة بعملية طباعة وضخ المال عبر البنوك المركزية الغربية وتحديداً الفيدرالي الأمريكي. هذا الضخ الذي يظهر في تزايد أصول الفيدرالي الأمريكي، الذي ضخّ بين شهري شباط وآب 2020 ما يقارب 3 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي لإنقاذ بنوك وشركات كبرى، وتمويل تضخم دَين الحكومة الأمريكية، وقد تعهد بأن يضخّ قريباً 1 تريليون دولار إضافية، ليكون بذلك قد طبع دولارات إضافية خلال نصف عام من أزمة 2020 بما يعادل مجموع ما ضخه منذ عام 2008 وخلال أكثر من عقد من الزمن. (بالمقابل فإن البنك المركزي الأوروبي قد ضخّ ما يقارب 1,7 تريليون دولار خلال هذه الفترة).
مقابل هذه الكتل المالية الهائلة فإن معدلات الفائدة ستستمر عند حدود الصفر، وهو ما سيعني هجرة المستثمرين من الاستثمار في سندات الخزينة الأمريكية لأنها بلا عوائد... وهو ما يعني تراجعاً في الطلب على الدولار وتراجعاً في واحد من الروافع الأساسية لارتفاع قيمته عالمياً.
(شاهد من أهله) ترقّب تراجع الدولار
لم تعد التوقعات بالتراجع السريع والحاد للدولار مرتبطة بالاقتصاديين المناوئين للمنظومة الغربية، أو الأكاديميين الموضوعيين ذوي الموقف النقدي، بل انتقلت التوقعات والتحذيرات لتصدر من قلب المنظومة ومستشاريها...
إن أهم المستثمرين الماليين والأثرياء الأمريكان أطلقوا عملية الابتعاد عن الاستثمار في الدولار، ومنهم وارن بافيت الثري الأمريكي كثير الظهور الإعلامي وصاحب استثمارات مالية ضخمة، الذي أعلن عن توجهه إلى الاستثمار في الذهب، وكان قد سبقه إلى هذا إشارات من مؤسسة أسرة روتشيلد خلال العامين الماضيين.
وخلال الفترة الماضية أتت ثلاثة شواهد إضافة على التجهيز لمرحلة التضخم المفرط وتراجع قيمة الدولار...
أوّلها: ما صدر في حزيران عن ستيفن روش الاقتصادي المعروف بأنه (رجل وول ستريت والفيدرالي الاحتياطي)، فهو الاقتصادي الرئيس السابق في بنك مورغان ستانلي، وموظف سابق في قسم التحليل في الفيدرالي الأمريكي، وهو الآن في عداد جامعة يال الأمريكية. وقد كتب: (مرحلة الميزة الخارجية للدولار الأمريكي باعتباره عملية الاحتياطي الدولية الرئيسة تنتهي... لمدة 60 عاماً كان العالم يشتكي من هذا الموقع المميز للدولار، ولكن لا يفعل شيئاً، وهذه الأيام قد ولّت) وقد قدّر روش بأن أزمة الدولار ستنفجر في عام 2021 وسيفقد 35% من قيمته مقابل سلة من العملات مستخدماً تعبير: (في 2021، الدولار سينهار!).
الإشارة الثانية: أتت من بنك غولدمان ساكس الذي توقعأيضاً في تقريره في شهر تموز بأن الدولار ستنخفض قيمته، وأن هذا الانخفاض سيضع حداً لهيمنته في السوق العالمية، متوقعاً ارتفاعاً كبيراً في أسعار الذهب ووصوله إلى ما فوق 2300 دولار مع نهاية العام، وتوصيته الاستثمارية واضحة للغاية (بالتوجه من الدولار إلى الذهب قبل أن يفوت الأوان).
الإشارة الثالثة: أتت من وكالة التقييم الدولية فيتش التي في 31 تموز نشرت تقديراً لتقييم الإقراض الأمريكي لتنقله من المستقر إلى السلبي، مع بقائه عند تصنيف AAA.
معللة ذلك بتقديرها بأن مستويات الدَّين الأمريكي ستصل مع نهاية 2021 إلى 130% من الناتج، ووصول العجز الحكومي إلى 20% من الناتج...
التضخم كارثة اجتماعية
الاقتصادي الأمريكي بيتر شيف، وهو واحد ممن توقعوا وترقبوا أزمة عام 2008، يشير إلى أن بدء التضخم المفرط في الولايات المتحدة هو مسألة وقت، وأنّ الكثير من الأموال ستتبخر... معتبراً بأن العالم شهد أزمات تضخم وانهيار للعملات، ولكن أزمة الدولار ستكون الأضخم، مشيراً وفق رأيه إلى أن الألم سيتركز في الولايات المتحدة وهو أمر غير مسبوق. فاعتماد الحكومة الأمريكية على المال المطبوع بنسبة 60% من كل إنفاقها قد يرتفع إلى 80% لاحقاً، وهذا جميعه سيتم تحصيله من المواطنين الأمريكيين ومن الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وبالدرجة الأولى من ارتفاع المستوى العام للأسعار، وفقدان القدرة الشرائية للأموال، وسترتفع تكاليف المعيشة بسرعة قياسية.
لا يمكن الوصول إلى تقديرات تامة لآثار عملية تراجع قيمة الدولار بشكل حاد خلال فترة قصيرة، وهي عملية إن تمت بهذا الشكل لها تداعيات عالمية وليست أمريكية فقط، ولكن آثارها في الولايات المتحدة حيث منظومة الحماية الاجتماعية معدومة تقريباً ستكون حادّة. فالولايات المتحدة تنفق وتستدين بأكثر من قدرتها الإنتاجية وبالاعتماد على وزن الدولار وعوائده العالمية، والانهيار سيدفع ثمنه مئات الملايين من المواطنين الأمريكيين سواء من محدودي الدخل، أو حتى من أصحاب الادخارات والاستثمارات المالية، الذين قد تتبخر قيمة استثماراتهم ومدخراتهم سريعاً، هذا عدا عن صناديق التقاعد والضمان التي تعتبر لاعباً أساساً في السوق المالية، ومقرض كبير قد لا يستطيع أن يستعيد قيمة ديونه، وتختفي القدرة على إعادة أموال الملايين...
سنوات عاصفة سنشهدها بعد عام 2020 عام بداية التداعي الاقتصادي العميق لمنظومة الدولار، ورغم أن الآجال الزمنية غير قابلة للتقدير بدقة، إلّا أنّ التسارع كبير فالعديد من الاقتصاديين كانوا يتوقعون الأزمة الاقتصادية وانفجار الفقاعة بين 2019- 2020 ولكن أحداً لم يكن يتوقع أن تترافق مع وباء عالمي يأخذ الركود الاقتصادي إلى مستوى أعلى من التدهور وبسرعة... كل ما نعلمه أنّ الدولار والنظام النقدي العالمي القائم منذ منتصف القرن الماضي سيتغير، وأن كثير من (الدراما) ستسود الشاشة السياسية الأمريكية، وأن التوتر سيبقى سمة للعلاقات الدولية حتى تبلور بدائل المرحلة القادمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 980