اليمن بؤرة توتر خطرة على الحدود السعودية
تشهد الساحة اليمنية تطورات خطيرة تتجاوز حدوده، فعلى الرغم من أن اللاعبين الداخليين كُثر، إلا أن ارتباطاتهم الخارجية واضحة، ولا يمكن بحال من الأحوال قراءة ما يجري دون النظر إلى تداعياته الإقليمية، فبعد خطوات خطيرة نفذتها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتياً وهجوماً منسقاً سيطرت فيه على محافظتي حضرموت والمهرة، ما ظهر بشكل واضح للسعودية اللاعب الإقليمي البارز.
تكمن خطورة تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي كونها فرضت خريطة أمر واقع جديدة، وأظهرت بشكلٍ حاسم وجود خلافات جوهرية داخل تحالف، يفترض نظرياً أنه يقاتل على جبهة واحدة بمواجهة جماعة أنصار الله. ما يشير إلى مستوى غير مسبوق من التناقض الإماراتي-السعودي، فهذه السيطرة الجديدة جاءت على حساب سيطرة قوات درع الوطن المدعومة من الرياض، وتتمتع هذه المناطق بأهمية استراتيجية واقتصادية، ففيها ثروة نفطية مهمة، فضلاً عن كون حضرموت ملاصقة للسعودية، وتشكل حدوداً برية طويلة معها، بينما تحد محافظة المهرة سلطنة عمان. في الوقت نفسه تتسق خطوة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حدً كبير مع نزعاته الانفصالية المعلنة، فبعد العملية العسكرية الأخيرة، باتت قواته تسيطر على كامل رقعة «اليمن الجنوبي» بحدوده المعروفة في ١٩٩٠.
التداعيات الأولية
الموقف السعودي بدا واضحاً منذ البداية، إذ أكدت الرياض أن تحركات المجلس الانتقالي تمت «بشكل أحادي، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي، أو التنسيق مع قيادة التحالف». ما وضع تحركات «الانتقالي» في سياق تمرد انفصالي. أما رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، فوصف تحركات المجلس الانتقالي بأنها «انتهاكات جسيمة» بحق المدنيين، ودعا تحالف دعم الشرعية إلى اتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحمايتهم. مما زاد خلال الأيام التالية من حدّة المواجهات العسكرية، التي وصلت بحسب قوات المجلس إلى ضربات جوية
سعودية استهدفت مواقع قواتهم، الخطوة التي لم تعترف فيها السعودية رسمياً، لكن وسائل إعلام سعودية نقلت عن مسؤولين قولهم: إنها ضربات تحذيرية بهدف دفع قوات المجلس للانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً، جاء ذلك بعد إعلانٍ شديد اللهجة أطلقه المتحدث باسم التحالف، العميد الركن تركي المالكي، هدد فيه بالتعامل عسكرياً مع أي خطوات عسكرية تهدد جهود خفض التصعيد.
ما هو المحرك الحقيقي لكل ذلك؟
إن البحث عن الدافع الحقيقي للتصعيد العسكري يحتاج إلى مراجعة كاملة للمشهد الإقليمي وأجندات اللاعبين المؤثرين، فأي تحرك من قبل المجلس الانتقالي لا يمكن أن يتم دون ضوء أخضر من الإمارات، لكن هذه الحقيقة لا تجيب وحدها عن التساؤلات، فالحقيقة أن الدور الإماراتي لا يمكن فصله عن الدور «الإسرائيلي» تحديداً في ملفات كهذه، ولإعادة ترتيب المشهد يبدو ما يجري في اليمن تتمة لمخطط قيد التنفيذ في القرن الأفريقي، وأيضاً عبر الواجهة الإماراتية، فخلال السنوات القصيرة الماضية كانت أهداف «إسرائيل» واضحة، وعملت بشكل معلن على زعزعة الاستقرار في المنطقة، عبر محاولات حثيثة لتفجير دول أساسية، مثل: السعودية وإيران وتركيا ومصر، ومن هنا يمكن القول: إن التطورات في السودان والدور الإماراتي فيها، وكذلك الأمر في الصومال التي تورطت أبو ظبي بدعم مساعي أرض الصومال الانفصالية بالتعاون مع «إسرائيل» التي اعترفت بأرض الصومال دولة مستقلة. هذه التحركات مجتمعة هي في الحقيقة محاولة حثيثة لتهديد الأمن الوطني السعودي والمصري بسلسلة من التحركات تهدف إلى إشعال وتفتيت المحيط الحيوي لهما. وإن كان الدور «الإسرائيلي» أكثر وضوحاً في أفريقيا، إلا أنه في اليمن لم يكن محسوساً بعد، لكن عدداً من التقارير الغربية يقدم أدلة على وجود أرضية في اليمن لدور «إسرائيلي». فبحسب معهد واشنطن للدراسات، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي كان يسعى خلال الفترة الماضية لتقديم نفسه طرفاً موثقاً للغرب و»إسرائيل» وتحديداً كأداة على الأرض لمواجه جماعة أنصار الله. ما يمكن المجلس لحشد الدعم من وجهة نظره لمشروعه الانفصالي. وكان عدد من الوزراء المرتبطين بهذا التيار داخل الحكومة قد عبّروا عن حماسة تجاه الاتفاقيات الإبراهيمية.
ترى الإمارات، أنها تملك مقومات تسمح لها بالتحول إلى شريك حقيقي للغرب، وتحديداً كونها تعتبر اليوم جزءاً من التركيبة المالية الغربية القائمة، وشريكاً لرأس المال المالي الإجرامي، وهي شراكة قائمة اليوم، وتعمل أبوظبي على ترسيخها، لذلك الإمارات مستعدة لتقديم الخدمات عبر الإمساك بخطوط استراتيجية تعطيها وزناً إضافياً، فإن مجمل هذه التحركات، وإلى جانب كونها تضع ضغطاً كبيراً على مصر والسعودية، فهي تمكن الإمارات و» إسرائيل» من السيطرة على ممر باب المندب الاستراتيجي، لكنها في الوقت نفسه تضع نفسها في مواجهة خطرة مع السعودية تحديداً، التي لا يمكنها التغاضي عن تحركات بهذا الحجم، فإن أي إهمال أو تأخر في معالجة الأوضاع الناشئة يمكن أن يتحول سريعاً إلى تهديد خارج عن السيطرة السعودية.
والمشكلة الأكبر تكمن في أن النشاط الإماراتي المشبوه لم يعد وراء الأبواب المغلقة، بل خرج إلى العلن بفجاجة مع التصعيد الأخير في السودان، ما يعني أن تبعات ذلك أصبحت أكبر وأشد، فطبيعة الدور تتحول إلى عامل تفجير خطر لا يمكن تجاهله، ففي حين كنا نشهد توتراً في العلاقات الثنائية الإماراتية السعودية، فنحن ندخل اليوم بلا شك إلى فصلٍ جديد من المواجهة، أعنف وأكثر خطورة، ما لم تتراجع أبو ظبي عن سياستها، في هذه الحالة لن يكون من السهل احتواء الأزمة عبر الوسائل الدبلوماسية التقليدية.
أزمات تعمّق التفاهمات على الضفة المقابلة
مع كل تطور جديد تدرك مجموعة من الدول أنها في حال وحدة المصير، وإن خروج أي طرف سالماً يحتاج درجة كبيرة من التنسيق والتعاون، فيظهر تناغم أكبر بين المواقف الرسمية السعودية- التركية- المصرية، ولا يبدو الموقف الإيراني بعيداً عن المشهد، فرغم كون اليمن واحدة من ساحات التناقض السعودية-الإيرانية، إلى أن التطورات الأخيرة تهدف فعلياً إلى ضرب أي توافقات كان قد تم الوصول لها في وقت سابق، وتستهدف فيما تستهدفه جر الرياض وطهران إلى منطقة خطرة مجدداً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258