باكستان... بين ضغوط واشنطن وتناقضات الداخل
تواجه باكستان اختباراً سياسياً حاسماً مع اقتراب لقاء جديد بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير.
وفق تقرير لوكالة «رويترز»، تواجه باكستان ومعها قائد الجيش اختباراً هاماً. فمن المتوقع أن يلتقي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير في الأسابيع المقبلة، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للمرة الثالثة خلال 6 أشهر. الذي يسعى للضغط على باكستان للمساهمة بإرسال قوات ضمن «قوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة». في إطار خطة تتضمن إنشاء قوة من دول إسلامية وعربية وغيرها للإشراف على مرحلة انتقالية «لإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في القطاع» بعد أكثر من عامين على حرب إبادة مدمرة شنّها الكيان الصهيوني.
يسعى منير بحسب موقفه الرسمي «لإصلاح انعدام الثقة القائم منذ سنوات بين واشنطن وإسلام اباد» عبر بناء علاقات «وثيقة» مع ترامب. ويقول مايكل كوجلمان، الباحث في شؤون جنوب آسيا في المجلس الأطلسي في واشنطن: إن رفض باكستان المشاركة «قد يثير غضب ترامب، وهو أمر لا تريده باكستان، خاصة بالنظر إلى رغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة لتأمين الاستثمار والمساعدة الأمنية». لكن في المقابل، يبرز القلق الأكبر في الداخل الباكستاني من أن الانخراط في غزة بموجب خطة مدعومة من واشنطن قد يؤدي إلى إعادة إشعال احتجاجات من أحزاب باكستانية تعارض بشدة الولايات المتحدة و«إسرائيل»، تستطيع حشد عشرات الآلاف في الشوارع.
وعليه، لم تعلن باكستان رسمياً مشاركتها، إذْ صرح وزير الخارجية محمد إسحاق دار، أن بلاده قد تنظر في المشاركة بقوات لحفظ السلام، لكنه شدد على أن نزع سلاح حماس «ليس من مهمة باكستان». وأوضح أن رئيس الوزراء شهباز شريف أعلن بعد التشاور مع منير، بأن القرار مرهون بتحديد «التفويض وطبيعة المهمة وشروط العمل». وفي الأسابيع الأخيرة، عقد منير لقاءات مع قادة دول عدة، مثل: إندونيسيا وماليزيا والسعودية وتركيا والأردن ومصر وقطر، في مشاورات بدت مرتبطة بالقوة المزمع نشرها في غزة.
على الصعيد الداخلي، عُيّن منير في وقت سابق قائداً للجيش، ليتولى قيادة القوات الجوية والبحرية أيضاً، مع تمديد فترة ولايته حتى 2030. وبموجب التعديلات الدستورية الحديثة، سيحتفظ بلقبه العسكري، ويتمتع بحصانة من أي ملاحقة جنائية مدى الحياة. هذا التطور أثار توتراً داخلياً، خاصة مع استمرار سجن رئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي يحظى بشعبية واسعة، وفاز أنصاره بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2024، ويُنظر إلى قضيته كعامل يُهدد شرعية الحكم في نظر الشارع، خصوصاً بعد الحكم الذي أصدرته محكمة باكستانية بحقه السبت الماضي، والذي يقضي بسجنه 17 عاماً في قضية فساد، وقد أعلن محاميه أن الحكم أُصدر «دون الاستماع إلى الدفاع»، وكذلك رفض حزبه القرار، واصفاً المحاكمة بأنها «محاكمة صورية»، «ليست حرة ولا نزيهة، بل هي في الواقع محاكمة عسكرية».
تحاول الولايات المتحدة استغلال التناقضات الداخلية في باكستان، لدفعها نحو اصطفاف أوضح مع الغرب. إلا أنها تصطدم بواقع جديد: التوازن الدولي لم يعد يسمح بفرض الهيمنة الغربية بسهولة. حيث تُظهر التطورات الأخيرة أن باكستان باتت أكثر ميلاً للتقارب مع القوى الصاعدة، وكذلك باتت تدرك أن الانخراط في مشروع غربي بغزة قد يضع باكستان في مواجهة مباشرة مع المزاج الشعبي الرافض، ويُقيد قدرتها على المناورة الدولية.
الصراع الداخلي في باكستان حول التوجه العام للبلاد أصبح ساحة جديدة لمحاولات الغرب، لكنه في الوقت ذاته يحد من قدرة واشنطن على فرض أجندتها. فالتوازن الدولي والضغط الشعبي يُعيقان أي محاولة لاستغلال الانقسامات الداخلية لصالح الهيمنة الغربية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1257
حلا الحايك