نيبال... مشكلاتٌ متراكمة وانفجار في لحظاتٍ دقيقة
معتز منصور معتز منصور

نيبال... مشكلاتٌ متراكمة وانفجار في لحظاتٍ دقيقة

في أكبر أزمة سياسية تشهدها نيبال منذ إلغاء الملكية عام 2008، أدت احتجاجات واسعة النطاق قادها جيل الشباب (جيل Z) إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء كي. بي. شارما أولي، وسط مشاهد من العنف غير المسبوق، وحرق مباني حكومية رئيسية، ومطالبات بإنهاء الفساد والمحسوبيات.

ما بدأ كاحتجاج سلمي ضد حظر حكومي على وسائل التواصل الاجتماعي تحول إلى حركة احتجاجية واسعة النطاق، أجبرت على تغييرات في القيادة السياسية، مع تعيين أول امرأة في تاريخ البلاد كرئيسة وزراء انتقالية، وسط مخاوف من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والإقليمي.

كيف انفجرت الأزمة؟

اندلعت الأزمة في أوائل أيلول الجاري 2025، عندما فرضت الحكومة النيبالية حظراً على 26 منصة تواصل اجتماعي رئيسية، بما في ذلك فيسبوك، إنستغرام، يوتيوب، واتساب، وإكس (تويتر سابقاً)، بحجة عدم تسجيلها وفق قوانين جديدة لمكافحة «المحتوى غير المرغوب فيه» مثل: الكراهية والأخبار المزيفة. كان هذا الحظر، الشرارة التي أشعلت غضب الشباب الذين يعتمدون على هذه المنصات للتواصل والتعبير عن استيائهم من الفساد السياسي والاقتصادي. وفقاً لتقارير البنك الدولي، يعاني الشباب النيبالي (15-24 عاماً) من معدل بطالة يصل إلى 20.8%، مع اعتماد الاقتصاد بنسبة 33.1% على التحويلات المالية من العاملين في الخارج، مما يعكس غياب الفرص المحلية، ورغم التطورات الاقتصادية الطفيفة في السنوات الأخيرة إلا أنها بقيت أدنى من التوقعات وطموح الشباب النيبالي، ودون مستوى تحقيق الاستقرار- الاقتصادي الاجتماعي- في البلاد.

سرعان ما امتزجت الاحتجاجات بالغضب من حملة افتراضية واسعة تحت وسم #NepoKids– أطفال النيبال، التي كشفت عن الفجوة الاجتماعية بين أبناء السياسيين الذين يتباهون بحياة فاخرة– مثل حقائب غالية الثمن ورحلات خارجية– وباقي الشعب الذي يعاني من الفقر والفساد. هذه الحملة، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قبل الحظر، سلطت الضوء على سيطرة نخبة سياسية صغيرة على الاقتصاد والحكومة، حيث لم تكمل أي حكومة ولاية كاملة منذ 2008.

تصاعدت الاحتجاجات في 8 أيلول الجاري، عندما تجمع آلاف الشباب في العاصمة كاتماندو ومدن أخرى، محاولين اقتحام البرلمان الفيدرالي. بحلول اليوم التالي، أضرم المتظاهرون النار في مباني حكومية رئيسية، مثل: البرلمان، مكتب رئيس الوزراء، المحكمة العليا، ومنازل سياسيين بارزين، بالإضافة إلى فنادق فاخرة ومكاتب للأحزاب السياسية. كما تم اقتحام السجون مما أدى إلى فرار آلاف السجناء، وإغلاق مطار كاتماندو الدولي ليوم كامل، وفرض حظر تجول وطني من قبل الجيش الذي تدخل لاستعادة النظام. وصل عدد القتلى إلى 51 شخصاً، مع إصابة أكثر من 1300 آخرين، وفقاً لتقارير رسمية ومنظمات دولية.

استقالة رئيس الوزراء وانتخابات قادمة

في ذروة الأزمة، أعلن رئيس الوزراء أولي استقالته في 9 أيلول، معترفاً بـ«الوضع الاستثنائي»، تلاه استقالة وزراء آخرين، مثل: وزير الداخلية وآخرون. لم يكن هذا السقوط مفاجئاً، إذ يمثل أولي، الذي شغل المنصب ثلاث مرات، رمزاً للنخبة السياسية المتهمة بالفساد. سرعان ما انتقلت المناقشات إلى منصات بديلة، مثل: ديسكورد، حيث انضم أكثر من 145 ألف شخص لمناقشة مستقبل البلاد، ودعموا تعيين سوشيلا كاكي، رئيسة المحكمة العليا السابقة (73 عاماً)، كرئيسة وزراء انتقالية، وهي المعروفة في دفاعها عن سلطة القضاء في وجه المحسوبيات والفساد. في 12 أيلول أدت كاكي اليمين الدستورية أمام الرئيس رام شاندرا بودل، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ نيبال، مع وعود بتشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات خلال 6-8 أشهر.

هل يمكن استثمار الأزمة؟

يبدو أن وتيرة الاحتجاجات تراجعت في الأيام الأخيرة، في ظل محاولات جادة من قبل الجيش ورئيسة الوزراء المؤقتة لاحتواء التصعيد ومنع انتشار الفوضى. لكن مستوى العنف الذي ظهر خلال أيام قليلة، وشمل حوادث غير مسبوقة، مثل: سحل مسؤولين في الشوارع، وحرق منازل وزراء بمن فيها، يشير إلى أن الحراك أخذ منحىً خطيراً.

هذا التصعيد السريع، وفي بلد صغير مثل نيبال، يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت هناك جهات تسعى لدفع الأحداث نحو مزيد من التأزيم. خصوصاً أن المنطقة تشهد في الفترة الأخيرة محاولات حقيقية بين الهند والصين لتجاوز خلافاتهما، وبناء أجواء من التعاون والاستقرار. وفي هذا السياق، قد تُستغل التحركات الشعبية المشروعة في نيبال كأداة لخلق فوضى تخدم أجندات لا علاقة لها بمطالب المتظاهرين، بل تهدف إلى تشويش المسار الإقليمي الأوسع.

هذا لا يعني أن الأسباب الداخلية غير حقيقية، لكنه يعني أن الأزمة النيبالية لم تعد محلية فقط، بل دخلت في حسابات إقليمية قد تُفاقمها إن لم تُدَر بحكمة وسرعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243