التدخلات الخارجية والثورات الملونة: غربياً... غربياً هذه المرة
ملاذ سعد ملاذ سعد

التدخلات الخارجية والثورات الملونة: غربياً... غربياً هذه المرة

شهدت عاصمة المملكة المتحدة، لندن، واحدة من أكبر المظاهرات خلال التاريخ الحديث، حيث شارك بها يوم السبت أكثر من 110 آلاف شخص من أنصار اليمين أو اليمين المتطرف، وفق توصيفات الغرب لهم، وذلك استناداً لدعوة وقيادة الناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون لها، الذي تجمعه علاقات قديمة مع الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، والذي شارك بدوره في هذه التظاهرة بكلمة مرئية، داعياً من خلالها لحل البرلمان وتغيير الحكومة البريطانية.

قد يكون من المبكر بعض الشيء التوصل لمعلومات وفهم عميق في تفاصيل ما يجري في بريطانيا ودور واشنطن، إلا أنه ليس بعيداً أو منفصلاً إطلاقاً عن حالة الانقسام الغربي الحاصل.

من حيث الشكل، يحرّك تيار روبنسون– بالتعاون مع ماسك أمريكياً- أنصاره ومستمعيه، بلغة شعبوية تحريضية، من بوابة مسألة الهجرة غير الشرعية، والحقوق والمزايا التي يكتسبها المهاجرون الشرعيون وغير الشرعيين على حساب «البريطانيين الأصليين»، ويتضمن هذا الخطاب الشعوبي بجزء منه استغلالاً للمسائل الدينية والصور النمطية المتراكمة منها، والتي يرى بعض المحللون أن هذا التيار نفسه يستخدم ورقة «الإسلام السياسي» داخل أوروبا نفسها، سواء بعمليات جريمة منظمة أو مقاطع مصوّرة تحريضية وتهديدية طوال الفترة السابقة والحالية، تهدف وتمهد بالضبط لتعويم اليمين المتطرف هذا، فضلاً عن استخدام قضايا إشكالية أخرى.

خلف هذه القشرة السطحية التي يجري ضخها وتغذيتها شعبوياً وإعلامياً، فإن المحرك العميق للبريطانيين أو غيرهم، هو تراجع الوضع المعيشي والتخوفات من تسارع هذا التراجع إثر الأزمات الاقتصادية والسياسية الحاصلة، والتراجع الغربي عموماً، ليأتي الخطاب الشعبوي اليميني موجهاً مشاعر الاستياء والغضب باتجاهات خاطئة تستميل الجمهور مؤقتاً، وتدفع باتجاه صدام شعبي– شعبي، فتخرج مثلاً مظاهرة «ضد العنصرية» بخمسة آلاف شخص بمواجهة مظاهرة اليمين الحاشدة، وفصلت بينهما الشرطة البريطانية.. وليقول ماسك للحشد: «إما أن تقاوم أو ستموت» وينشر لاحقاً عبر منصة «إكس» رأيه أن الحرب الأهلية «حتمية» في بريطانيا.

أما من زاوية هؤلاء السياسيين والاقتصاديين، الشعبويين، فما يدفعون به– فيما يبدو حتى الآن- هو محاولة للإطاحة بالتيّار الآخر المتحكّم في بريطانيا، وهو تيار عابر لثنائية حزبي العمال والمحافظين التقليدية، كما هو عابر لثنائية الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، ومن بين العناوين الخلافية الأكبر والأبرز بين التيارين، هو الموقف من الحرب الأوكرانية، بين إنهاؤها أو الاستمرار بها، فروبنسون، كما ماسك، يدعوان لإنهائها ووقف تمويل ودعم بريطانيا لنظام زيلينسكي لدواعٍ اقتصادية مرتبطة بالأزمة الجارية، وأولويات مختلفة بالتعامل معها، بينما تستمر أوروبا بقيادة بريطانية وألمانية بالدرجة الأولى، بتغذية هذه الحرب والضغط على واشنطن للبقاء طرفاً حاضراً بالصراع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243