كيف يساهم أسطول الصمود العالمي في حفر قبر الصهيونية؟

كيف يساهم أسطول الصمود العالمي في حفر قبر الصهيونية؟

يومياً، يتعرض الشعب الفلسطيني للقتل الوحشي رجالاً، ونساءً وأطفالاً. ناهيك عن استخدام الكيان الصهيوني التجويع كوسيلة في الحرب، متسبباً في مجاعة أقرت بها الأمم المتحدة (أخيراً) في 22 آب معلنة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيرش انهيار الأنظمة الضرورية للبقاء على قيد الحياة في غزة.

حجم بربرية هذا الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وصلت جميع أصقاع الأرض، فكان أسطول الصمود العالمي مبادرة دولية تضم خمسين سفينة وقارباً، تحمل ناشطين من 44 دولة حول العالم لكسر الحصار، وتم توزيع المشاركين على السفن بحيث تضم كل منها مجموعة من الشخصيات البارزة إعلامياً.

ما الجديد في أسطول الصمود العالمية

منذ بدأ الحصار «الإسرائيلي» على قطاع غزة عام 2007، حاولت أكثر من 37 سفينة كسر الحصار، ونجحت منها المحاولات الخمس الأولى في الوصول إلى شواطئ القطاع. في حين تعرضت باقي الحملات إلى الاعتراض والقرصنة من قبل الجيش الصهيوني، وكانت آخرها سفينتي مادلين وحنظلة، حيث تم اعتقال المشاركين وترحيلهم إلى بلدانهم.

خلال رحلة قارب مادلين، وفي اتصال مع غزة، بين تياغو آفيلا الناشط البرازيلي وبيسان عودة الغزاوية الحائزة على جائزة «أفضل قصة إخبارية قصيرة»، قالت له: «كلما تحدثنا عنكم هنا نقول: قارباً أو اثنين لا يكفي، إن جاءت القوارب بالعشرات سيكون الاحتلال في موقف لا يحسد عليه». من غزة ولدت فكرة تطوير الأسطول، من شعب لا يستهزئ بأي جهد مقاوم بل يُعمل الفكر بالخطوة الإضافية التي قد ترفع الفعالية، لا مكان للإحباط لأن المقاومة قضية بقاء ووطن.

مبادرات محاولة كسر الحصار برياً عبر «المسير الدولي إلى غزة» و «قافلة الصمود المغاربية» مهدتا الطريق لتعارف الناشطين الأمميين وعملهم المشترك على مشروع عالمي لإسناد غزة، فتوحدت هذه المبادرات مع أعضاء مجموعة سفينة مادلين في أسطول الصمود الذي انضم إليه لاحقاً الأسطول الماليزي.

تم توزيع السفن المشاركة بحيث يضم كل قارب مجموعة من الشخصيات البارزة إعلامياً إلى جانب أطباء وصحفيين وحقوقيين وناشطين. ومن بين الأسماء العالمية التي تحظى بمتابعة واسعة، الناشطة البيئية الشهيرة غريتا ثونبرغ، والنائبة البرتغالية ماريانا مارتاغوا، إضافة إلى عمدة برشلونة السابقة آدا كولاو التي ارتبط اسمها بتاريخ نظيف في خدمة المدينة وحظيت بمحبة سكانها. كما يشارك عدد من الفنانين المعروفين، مثل:

الممثلة الأمريكية الحائزة على الأوسكار سوزان ساراندون، والممثل الأيرلندي ليام كانينغهام أحد نجوم مسلسل Game of Thrones، والممثل السويدي غوستاف سكارسغارد. وعلى الصعيد العربي، يبرز حضور خالدية أبو بكرة، عضو الهيئة التنفيذية لحركة المسار البديل الفلسطينية، وسيف أبو كشك رئيس «التحالف الدولي ضد الاحتلال»، إلى جانب وائل نوار القيادي في حركة القافلة المغاربية إلى غزة، وزاهر بيراوي رئيس «اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة”، وبرلمانيين من موريتانيا وتونس والجزائر.

أبرز ردود فعل الكيان الصهيوني جاءت على لسان وزير الأمن إيتمان بن غفير الذي وصف المشاركين في الأسطول بالمتعاونين مع حماس، وقدم خطة للتعامل مع الأسطول تتضمن مصادرة السفن المشاركة، وتحويلها لملكية الشرطة «الإسرائيلية» وسجن النشطاء في ظروف مشابهة لأسر من سماهم الأسرى الأمنيين داخل سجني كتسيعوت، حيث يأسر المقاومون في صحراء النقب والدامون، وحيث تؤسر المقاومات ولفترات طويلة الأمد. في موازاة ذلك، كشف تحليل رقمي للجزيرة عن أكثر من 3600 حساب على شبكات التواصل يروّج للرواية الصهيونية مستخدماً عبارات، مثل: «داعموا حماس» و»الإرهاب»، مع تركيز خاص على شخصيات بارزة، مثل: زاهر البيراوي، وغريتا ثونبرغ.

للأسطول أثر سياسي ثقيل

تحديد هدف أي مشروع سياسي أثناء الإعداد له يعتبر من الأهمية بمكان للتقييم اللاحق لنجاحه. ولئن كان وصول شواطئ غزة فيزيائياً هو أحد الأهداف، إلا أن وصول صوت فلسطين إلى العالم يفوقه أثراً. إن مجرد انطلاق الأسطول يمثل نجاحاً سياسياً، لأنه يؤكد أن فلسطين قضية عالمية، وأن رفض الإبادة الجماعية موقف تتبناه شعوب العالم بفاعلية. إنْ نجح الأسطول بالوصول إلى غزة، فسيُسجَّل كخطوة أممية كبرى في دعم القضية الفلسطينية، ويمثل وقوداً لمبادرات لاحقة. أما إذا تعرض لهجوم، فإن العواقب السياسية دولياً على الكيان الصهيوني ستكون أثقل من أي مكاسب عسكرية أو أمنية يتصورها بعنجهيته المفرطة.

ولنأخذ مثالاً إيطاليا، فقد بادر عمال ميناء جنوا بالتهديد بإيقاف حركة النقل البحري في كل أوروبا إن تعرض رفاقهم إلى هجوم. كذلك أعلنت قيادات في الحركة الطلابية الإيطالية بأنها ستغلق الجامعات إن مُس الأسطول بأذى. هذه الضغوط جعلت كلفة التحالف مع «إسرائيل» باهظة على رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني. ورغم أنها لا تبدي اهتماماً بالقضية الفلسطينية وتتشابه أيديولوجياً مع نتنياهو، إلا أن أولويتها تبقى سرديتها الداخلية القائمة على شعار “إيطاليا أولاً”. لذا صرحت بأنها ستعمل على حماية المواطنين الإيطاليين المشاركين، مُرسلة رسالة واضحة بأن أي أذى لهم سيقوّي التعاطف مع فلسطين داخل المجتمع الإيطالي.

التحالف مع أي دولة يُحسب بمنطق الربح والخسارة. سياسات الكيان الصهيوني باتت خاسرة في ميزان معظم حلفائه التقليديين، ما دفع عدة دول أوروبية لإبداء مواقف غير مألوفة ضده مؤخراً، أسطول الصمود يرفع هذه الكلفة أكثر، لأنه يجعل التحالف مع الكيان قضية أمن قومي داخلي لكل دولة يشارك مواطنوها في الأسطول. ولهذا تسعى حكومات عديدة إلى إدارة الأزمة بحذر.

أهمية التوثيق ومركب شيرين أبو عاقلة

يضم أسطول الصمود العالمي مركباً يحمل اسم الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، خُصص لحقوقيين وباحثين في شؤون الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي. تتمثل مهمة هذا المركب في توثيق ردود أفعال الاحتلال تجاه السفن المشاركة، وفي حال الوصول إلى غزة، رصد وتوثيق أوضاع السكان هناك.

لقد أثبت التاريخ أن وجود حليف قوي، كما هو حال الكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً، قد يؤخر مساءلته أمام محكمة العدل الدولية أو غيرها من الهيئات القضائية. غير أن التوثيق المنهجي للانتهاكات يظل رصيداً يتراكم، ويعود للواجهة كلما تبدّل ميزان القوى الدولي، ليُعاد إحياء القضايا ومحاسبة الجناة. وفي حالة «إسرائيل»، فإن ملف انتهاكاتها يزداد ثِقلاً يوماً بعد يوم، فيما الولايات المتحدة تكافح للحفاظ على موقعها المتفوق في النظام الدولي دون أفق واضح للنجاح. ومن هنا، يبدو أن الغد لناظره قريب جداً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242