ليبيا... هل تتمكن من كسر الاستعصاء وبناء التوافق الوطني؟
معتز منصور معتز منصور

ليبيا... هل تتمكن من كسر الاستعصاء وبناء التوافق الوطني؟

تمر ليبيا بمرحلة حاسمة من مسارها السياسي، تتقاطع فيها التحديات الأمنية والاقتصادية مع تطلعات شعبية متزايدة نحو استقرار حقيقي، وحل شامل يُنهي أكثر من عقد من الانقسام المؤسسي والانقسام الجغرافي.

منذ سقوط النظام السابق عام 2011 وتدخل الناتو في حينه، الذي شكل الأساس الفعلي لما تشهده ليبيا من انقسام وتفتيت، لم تنجح البلاد في بناء مؤسسات دولة موحدة، وظلت تعاني من تعدد السلطات التنفيذية والتشريعية، وتداخل النفوذ بين الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين.

ورغم التحركات المتكررة لحلحلة الأزمة، تظل المساعي السياسية عالقة في دوامة من التحفظات المتبادلة، وغياب الثقة بين الأطراف، وتداخل المصالح المحلية مع التدخلات الخارجية، التي لا تزال تشكل أحد أبرز معوقات التقدم نحو تسوية شاملة.

توترات ميدانية تهدد الاستقرار

على الصعيد الميداني، لا يزال الوضع الأمني في ليبيا هشاً، خاصة في العاصمة طرابلس، حيث شهدت الأسابيع الماضية تحركات عسكرية متعددة، وتصاعداً في التوتر بين المجموعات المسلحة الموالية للحكومة المؤقتة. وشمل ذلك اشتباكات محدودة في ضاحية تاجوراء، بالقرب من مقر القوة المشتركة، إضافة إلى هجوم بسيارة مفخخة على معسكر تابع للواء 444 في بني وليد، وتفجير مخازن أسلحة في مصراتة.

هذه التطورات تُعدّ مؤشرات خطيرة على تصاعد الصراع بين الميليشيات المسلحة، وتعطيل أي مساعٍ حقيقية لتثبيت وقف إطلاق النار، أو بناء جيش وطني موحد. كما تُظهر أن السلاح المنفلت لا يزال أداة ضغط سياسية، تُستخدم لفرض وقائع ميدانية.

غياب الشرعية وازدواجية القرار

أحد أبرز تحديات المرحلة الانتقالية هو فقدان الشرعية الشعبية لأغلب الهيئات القائمة. فلم تعد أي من الحكومتين، ولا البرلمان، ولا المجلس الأعلى للدولة، تنبع من تفويض انتخابي مباشر، أو نتيجة لتوافق بين القوى السياسية. وقد فشلت جميع المبادرات السابقة في إنجاز انتخابات شاملة، ما جعل المؤسسات السياسية رهينة للانقسامات الداخلية، وعرضة لضغوط القوى الإقليمية والدولية، التي لا تزال تلعب دوراً محورياً في تشكيل التحالفات، وتحديد موازين القوى.

محاولة جديدة للعودة للمسار السياسي

أعلنت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا، السيدة هانه تيتيه، عن خطة عمل تهدف إلى كسر الجمود السياسي، ووضع البلاد على مسار انتقالي واضح ومدروس. تعتمد الخطة على توصيات اللجنة الاستشارية الليبية المكونة من 20 خبيراً ليبياً، والمُشَكّلة وفق دعم دولي، ترتكز الخطة إلى رؤية متكاملة تقوم على بناء توافق وطني من خلال ثلاث دعائم محورية.

أولاً: العمل على إعداد إطار انتخابي متماسك من الناحية الفنية وقابل للتطبيق على الأرض، يجمع بين التعديلات الدستورية والتشريعية الضرورية، ويُراعي الحساسيات السياسية والمجتمعية في مختلف مناطق البلاد.

ثانياً: تشكيل حكومة تنفيذية موحدة تُنهي حالة التعدد المؤسسي، وتتولى مهمة دمج المؤسسات الموازية في الشرق والغرب، وتسيير شؤون الدولة خلال المرحلة الانتقالية.

ثالثاً: إطلاق حوار وطني مهيكل يشمل ممثلين عن مختلف المكونات السياسية، والقبلية، والمدنية، بهدف معالجة القضايا الشائكة التي طالما عطّلت المسار السياسي، لا سيما في المجالات الأمنية والاقتصادية والانتخابية.

ويُفترض أن تُنفّذ هذه المراحل ضمن جدول زمني مقترح، يبدأ بإعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات خلال الشهرين المقبلين، تزامناً مع إقرار التعديلات الدستورية والقوانين المنظمة للعملية الانتخابية. تليها مرحلة تشكيل الحكومة الموحّدة، كخطوة عملية نحو توحيد مؤسسات الدولة. وترافق هذه التطورات عملية حوار وطني شامل، وبناء توافق حقيقي حول مستقبل ليبيا، بعيداً عن الصراعات أو المصالح الضيقة.

هل تُفتح نافذة الأمل؟

رغم تعقيد المشهد، تُعدّ هذه الخطة فرصة حقيقية لكسر الجمود، شرط أن تُدار العملية من قبل الليبين أنفسهم، وأن تُعطَى الأولوية لمصلحة الشعب الليبي، لا لمصالح الأطراف أو الدول الداعمة. فالحل لا يمكن أن يُفرض من الخارج، ولا أن يُقرّر في غرف مغلقة، بل يجب أن ينبثق من تفاهم ليبي – ليبي، يُعيد بناء الثقة، ويُرسّخ مبدأ المواطنة والمساواة.

الفرصة قائمة، ولكنها هشّة. والاختبار الحقيقي سيكون في قدرة الأطراف الليبية على التنازل عن المكاسب الآنية، والانخراط في مسار يُعيد لليبيا وحدتها، ويُنهي معاناة شعبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242