الصهيونية فاشية عابرة للحدود.. أمريكا اللاتينية نموذجاً

الصهيونية فاشية عابرة للحدود.. أمريكا اللاتينية نموذجاً

كيف أصبحت فلسطين قضية عالمية؟ هل فقط لأن الصهاينة يقترفون في فلسطين الآن أول إبادة جماعية تبث بشكل حي مباشر للبشرية جمعاء؟ أم لأنهم يغلقون المعابر متسببين بمجاعة غير مسبوقة؟ أم لأنهم يقتلون حتى الأطفال عند نقاط توزيع المساعدات «الإنسانية»؟ كل تلك الأسباب صحيحة.. لكن عالمية فلسطين تنبع في الجوهر من عالمية الإجرام الصهيوني.

في هذا المقال، سنأخذ القارئ السوري في رحلة خلف المحيط الأطلسي لنستكشف ما الذي يجعل مواطناً من غواتيمالا، أو الأرجنتين، يشعر بالانتماء للقضية الفلسطينية، وأي فساد عاثت الصهيونية في أمريكا اللاتينية حتى تفتحت بصيرة شعوبها السياسية على عدالة القضية الفلسطينية، فوجدوا أنهم شركاء في هوية العداء للصهيوني.

الصهيونية فاشية عابرة للحدود

تشير بروفسورة علم الاجتماع أدريينا باين، بأن دارسي الفاشية يأخذون الدولة القومية كوحدة بحث أساسية بحكم النماذج الفاشية الكلاسيكية الأوروبية التي اعتمدت النقاء القومي كأساس لسرديتها. لكن في الواقع فإن الفاشية ظاهرة ديناميكية تتأقلم مع الظروف المحلية والوقائع الجيوسياسية لبلد ما، لتواجه كل مقاومة ضد تركيز السلطة والثروة، وهي في الجوهر ذات طبيعة إمبريالية. وعليه فإن فهماً عميقاً لخصائص أي مشروع فاشي في بلد واحد فقط لا يستقيم دون فهم علاقة هذا المشروع بالإمبريالية النيوليبرالية المعاصرة، وعلاقة الفاشيات الوثيقة في دول مختلفة ببعضها البعض وبسيدها الإمبريالي. وحده الفهم الصحيح للفاشية وتطور ايديولوجياتها المتنوعة (قومية أو دينية.. الخ) وتقنياتها يسمح بوضع الاستراتيجيات الفعالة لمقاومتها.

سيقدم المقال تالياً غيضاً من فيض الأمثلة عن علاقة الفاشية الصهيونية بفاشيات حَكَمت أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، بهدف تقديم أداة تحليلية تكون مفيدة لفهم أن الحاجة لنضال أممي ضد الصهيونية ليس ضرباً من الشعارات، بل هو حاجة موضوعية لشعوب تتشارك مصلحة واحدة.

اليد الصهيونية في قتل شعب المايا في غواتيمالا

برز دور الصهيونية في غواتيمالا في فترة حكم الجنرال إفرين ريوس مونت الذي تولى الحكم عام 1982 بانقلاب عسكري. وكان قد تحالف مع الكنائس الإنجيلية المؤيدة للصهيونية والولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشدة لمحاربة ما أسماه التمرد الشيوعي الذي كان على أشده في أرياف غواتيمالا، عبر منظمة الوحدة الثورية الغواتيمالية اليسارية. قدم الكيان الصهيوني الدعم التقني والتدريب لقوات مكافحة التمرد الغواتيمالية التي نفذت خلال عام ونصف 600 مذبحة جماعية موثقة، طالت خصوصاً شعوب المايا وبتبييض من الكنيسة الإنجيلية التي تحدثت عن حملة تبشيرية لتطهير للبلاد. بينما تلقت القوات الغواتيمالية الخاصة التدريب على تقنيات التعذيب في الأرجنتين، على أيدي ضباط نازيين كانوا قد فروا من ألمانيا إلى الأرجنتين عقب الحرب العالمية الثانية. أما عن الأسلحة، فقد أشرف الصهيوني إيليوت أبرمز من وزارة الخارجية الأمريكية على توفيرها لديكتاتور غواتيمالا. إيليوت أبرمز الذي يشغل أيضا منصب عضو «لجنة الضمير» في متحف الهولوكوست لمنع الإبادة الجماعية في واشنطن.

الصهيونية تسلح الديكتاتوريات.. الأرجنتين والباراغواي

في كتابه «عملية إسرائيل» يجمع هرنان دوبري بيانات عن قيام «إسرائيل» بإعادة تسليح الأرجنتين في فترة الديكتاتورية بين 1976 - 1983 ويذكر في مقدمة كتابه أن «دولة إسرائيل كانت من أكبر موردي الأسلحة للديكتاتورية العسكرية الأرجنتينية، التي بدأت بانقلاب 24 آذار 1976. حيث بلغ إجمالي المعاملات التجارية وفقاً للبيانات التي جُمعت في هذا التحقيق ما يعادل 1.548 مليار دولار».

أما في البارغواي كان ألفريدو ستروسنر، الديكتاتور العسكري لباراغواي من عام 1954 إلى عام 1989، معجباً بهتلر وصديقاً حميماً لفرانكو، ودبّر من بين أمور أخرى الإبادة الجماعية ضد شعب آتشي بدعم مالي من الولايات المتحدة. وقد منح ستروسنر، الذي كان والده مهاجراً ألمانياً، الجنسية للعديد من مجرمي الحرب النازيين، بمن فيهم جوزيف منغيله الذي عرف في الحزب النازي باسم «ملاك الموت» لكونه الطبيب الذي كان يقرر بإشارة، من يُعدم فوراً في غرف الغاز، ومن يبقى للعمل الإجباري، ومن تطبق عليه تجارب طبية تتضمن حقن أدوية وتعذيب.

تآمر ستروسنر مع الكيان الصهيوني عام 1967 في برنامج تهجير قسري لسكان غزة الذين قيل لهم أن ثمة برنامج عمل مؤقت في البرازيل وبعد وصولهم هناك لم يسمح لهم بالنزول ونقلوا إلى الباراغواي. تبين لاحقاً أن رئيسة الوزراء «الإسرائيلية» غولدا مائير اتفقت مع نظيرها المتعاطف مع النازية على ترحيل ما يصل إلى 60000 فلسطيني من غزة إلى باراغواي في صفقة شملت دفع مبلغ 33 دولار عن كل شخص مرحّل لصالح نظام الباراغواي (Quintana 2024).

إن من المقتل لأي شعب في بلدان الجنوب العالمي ألّا يلحظ الخطر الصهيوني على أمنه الاستراتيجي وديمقراطيته المنشودة. فجوهر المشروع الصهيوني استعماري إمبريالي فاشي عابر للحدود، داعم للديكتاتوريات التي تؤمن التبعية لرأس المال العالمي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1240