نيويورك: الخطر ليس ممداني ... بل توجهات ناخبيه!
ديما النجار ديما النجار

نيويورك: الخطر ليس ممداني ... بل توجهات ناخبيه!

في مفاجأة سياسية كبرى، فاز زوهران ممداني، عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأمريكي، بالانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة نيويورك بحصوله على 43% من أصوات الناخبين مقابل 36% لأندرو كومو المدعوم من نخب الحزب الديمقراطي واللوبي الصهيوني. تعرض ممداني الأمريكي المسلم من أصول مهاجرة، الاشتراكي المؤيد لفلسطين لحملة شعواء، وصفته تارة بالمعادي للسامية، وأخرى بالشيوعي. وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال: «قد يصبح لمركز الرأسمالية العالمية قريباً عمدة اشتراكي».

الملفت في جزع مراكز المال والنخب الأمريكية، أن برنامج ممداني لا يتضمن دعوة لتغييرات جذرية في النظام الرأسمالي كما طرح بيرني ساندرز نظرياً قبل سنوات. فلممداني برنامج إصلاحي يتمركز حول تردي الأوضاع المعيشية. ويطالب بإصلاحات كتقليل تكاليف السكن، مجانية رعاية الأطفال والمواصلات، وتكاليف طعام أرخص. إلا أن ما يقلق هذه النخب يتجاوز شخص ممداني إلى القلق من أولئك الذين صوّتوا له، وما يمثله فوزه.

تغيّر حاد وسريع في المزاج الشعبي

في الأنظمة الديمقراطية البرجوازية تساعد الانتخابات في قياس حرارة المجتمع، فصعود ممداني يشير إلى تفاقم التناقضات الاجتماعية المتسارع. عندما أجريت استطلاعات الرأي الأولية في شباط 2025 لم يكن ممداني يحظى سوى بـ 1% من نوايا التصويت. إلا أن الوضع تطور سريعاً ليحظى ب 42000 متطوع في حملته الانتخابية، شاركوا في طرق الأبواب وتوزيع المناشير وغيرها.

الشعب- وخاصة الشباب- يبحث عن تعبيراته السياسية التي يمكنها أن تحمل غضبه وتحوله إلى برنامج عمل يقود للتغيير. فالمجتمع الأمريكي يواجه تحدّيات لا يمكن للمنظومة السياسية والثقافية السائدة حالياً معالجتها. المطروح حتى الآن ظواهر، مثل: الممداني وساندرز، التي تفترض إمكانية إحداث التغيير المطلوب من قلب النظام الأمريكي ذو الرأسين (الحزب الجمهوري مقابل الحزب الديمقراطي). إلا أن تجربة ساندرز أثبتت سابقاً أن الإعاقة الكبرى أتت من المنظومة نفسها. يجادل البعض أن هذه الاستراتيجيات النضالية مهمة تكتيكياً لتجميع الناس بشكل أولي، وإكسابها الثقة، حيث ترى حجم تحالفها منعكساً في أرقام يصعب تقديرها من مظاهرة هنا وإضراب هناك. في حين يرى البعض أنها قد تكون مضرة استراتيجياً، إذ تخلق وهماً حول إمكانية التحالف مع العدو الطبقي، الذي لا مصلحة له بتحقيق مطالب الشعب. فلماذا يناضل المستثمرون العقاريون لتخفيض أسعار السكن والآجارات؟!

سخطٌ على القديم ومخاطر اليسار غير الجذري

من النماذج السلوكية التي تكررت مؤخراً في الانتخابات في دول غربية عديدة، أن ينتقل عدد من الناخبين من أحزاب كانت تعرف بكونها يسارية إلى أحزاب يمينية شعبوية. كثر الحديث عن ردة يمينية، إلا أن حالة نيويورك تقدم أجوبة على هذا السلوك، فقد استطاع ترامب استغلال السخط الشعبي على الديمقراطيين ليحصل على أعلى نسبة حققها الجمهوريون منذ 1988 في نيويورك (43.3%). وقد أشارت بعض وسائل الإعلام إلى بدء انحياز نيويورك لترامب خريف العام الماضي كدليل على تحول رجعي أوسع. لكن فوز زوهران يبطل هذه الفرضية، ويثبت الاستدارة نحو المرشحين المناهضين للمؤسسة من اليمين واليسار على حدّ سواء، بسبب تنامي الغضب الطبقي في المجتمع الأمريكي.

حتى لو كانت نوايا ممداني الإصلاحية صادقة، فإن برنامجه يبقى محدوداً ومحاصراً ضمن آليات النظام الرأسمالي. فلا بد من الوضوح مع الجماهير حول سيناريوهات العقبات المتوقعة التي سيعيق النظام عبرها برنامج ممداني الإصلاحي وآليات مقاومتها المزمعة. والبدء بالتعبئة الشعبية الطبقية الواسعة تحسباً للحاجة لإضرابات واسعة ومظاهرات. لدينا حتى اليوم عدد من الأمثلة التي بدأت بحماس يساري عالٍ، كائتلاف «اليسار الراديكالي» سيريزا في اليونان، الذي تأسس كحركة مناهضة للعولمة وسياسات التقشف، وبعد صعوده للسلطة عام 2015 قام أليكسيس تسيبراس بالتوقيع على حزمة تقشف شديدة القسوة على الشعب. بالمثل، قامت حركة بوديموس في إسبانيا بالاندماج بالمؤسسة الحاكمة بعد فوزها بالانتخابات، ولم تقم بدورها الذي وعدت به في مفاوضاتها مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.

التجربة التاريخية تجعل من الحديث عن تكتيكات واستراتيجيات مقاومة العدو الطبقي ضرورة لتحقيق البرامج. فأي تنازلات مبدئية قد تقود لإحباط الجماهير. وفي حال عدم وجود استراتيجية وبقاء البرنامج حبراً على ورق تفقد الجماهير الثقة بهذا التوجه، وتمنح الإعلام الرأسمالي فرصة لاتهام الاشتراكيين بالعجز، وبأنهم مجرد حالمين غير عمليين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232