زيارة رامافوزا إلى واشنطن: توترات دبلوماسية وتحديات النفوذ الأمريكي
كنان دويعر كنان دويعر

زيارة رامافوزا إلى واشنطن: توترات دبلوماسية وتحديات النفوذ الأمريكي

زار الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا الولايات المتحدة للقاء الرئيس دونالد ترامب، في محاولة لإعادة ضبط العلاقات المتوترة بين بريتوريا وواشنطن بعد تولي ترامب منصبه في كانون الثاني 2025. تأتي الزيارة في سياق دولي وإقليمي معقد، حيث تسعى جنوب أفريقيا لتعزيز سيادتها الوطنية من خلال إصلاحات داخلية، مثل: إعادة توزيع الأراضي لتصحيح اختلالات نظام الفصل العنصري، وتحالفات خارجية ضمن مجموعة البريكس، ودعمها للقضية الفلسطينية. هذه السياسات أثارت استياء إدارة ترامب، التي ترى فيها تحدياً للهيمنة الغربية، مما جعل الزيارة نقطة تحول محتملة في العلاقات الثنائية والنفوذ الأمريكي في أفريقيا.

تفاقمت التوترات بين البلدين بسبب إجراءات ترامب الحادة، التي تضمنت قطع المساعدات المالية التي كانت تشكل 18% من موازنة جنوب أفريقيا، وطرد السفير الجنوب أفريقي من واشنطن، واتهام الحكومة بـ«الإبادة الجماعية» ضد البيض. كما منحت الإدارة الأمريكية 56 مواطناً أبيض من جنوب أفريقيا حق اللجوء، مدعية تعرضهم للاضطهاد، وفرضت تعريفات جمركية بنسبة 31% على الصادرات الجنوب أفريقية، وتصل لما يقارب 50% على صادرات السيارات. في المقابل، تنفي حكومة رامافوزا هذه الاتهامات، مؤكدة أن البيض، الذين يشكلون 7% من السكان، يمتلكون أكثر من 70% من الأراضي الزراعية، وأن إصلاح الأراضي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وليس التمييز العنصري. هذه الخلافات تعكس صراعاً أعمق بين رؤية جنوب أفريقيا للسيادة الوطنية، وسياسة ترامب القائمة على «أمريكا أولاً».

مسرحية جديدة في المكتب البيضوي

خلال اللقاء في المكتب البيضاوي، لجأ ترامب إلى أسلوب دبلوماسي مثير للجدل، حيث أطفأت الأنوار وعُرضت مقاطع فيديو وتقارير صحفية تزعم وجود جرائم ضد المزارعين البيض، في محاولة للضغط على رامافوزا بأسلوب يذكر بمواجهته مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي منذ أشهر قليلة. كما أشار البعض إلى أن هذا الموقف قد يكون محاولة لإرضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نظراً لدعم جنوب أفريقيا للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية. رد رامافوزا بحزم، مؤكداً التزام بلاده بدستورها وسيادتها، ومعرباً عن رغبته في صفقة تجارية عادلة مع واشنطن. هذا النهج الدبلوماسي يعكس محاولة جنوب أفريقيا الحفاظ على توازن بين الدفاع عن مصالحها والحفاظ على قنوات الحوار مع الولايات المتحدة، لكنه كشف أيضاً عن محدودية الأدوات الأمريكية في مواجهة دول تسعى لاستقلالية أكبر.

تمتلك جنوب أفريقيا ثروات معدنية نادرة، مثل: الكروم والمنجنيز والبلاتين، تجعلها لاعباً محورياً في السباق العالمي على الموارد الحرجة للصناعات المتقدمة. استمرار الضغوط الأمريكية قد يدفع بريتوريا لتعزيز تعاونها مع قوى، مثل: الصين وروسيا، خاصة ضمن إطار البريكس، مما يؤدي إلى تراجع إضافي للنفوذ الأمريكي في أفريقيا.
إدارة ترامب، التي تعتمد أسلوب الضغط والابتزاز الدبلوماسي، قد تحاول استغلال الوزن الأمريكي لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل، لكن هذا النهج لا يغير موازين القوى على أرض الواقع. بدلاً من ذلك، قد يسرّع من تحول الدول الأفريقية نحو شراكات أكثر ندية مع قوى أخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228