حلم ترامب بإنهاء الملف الأوكراني يغدو «كابوساً» له

حلم ترامب بإنهاء الملف الأوكراني يغدو «كابوساً» له

يتضح يوماً تلو آخر أن «حلم» ترامب السابق بإنهاء الصراع في أوكرانيا «خلال أقل من 24 ساعة» غير قابل للتطبيق، ويصطدم تياره مع حقائق عامة، تتلخص بتمسّك موسكو بحلّ الأسباب الجذرية للصراع كشرط للحل، والتورط الكبير والعميق للولايات المتحدة في الصراع الأوكراني، والتداخل العضوي مع أوروبا الذي لا يمكن فصله بـ 24 ساعة.. ومنه نرى استمرار الصراع والمفاوضات التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً إذا ما استمر الغربيون بالعمل بالطريقة نفسها.

ظنّ ترامب وتياره أن بإمكانه إقناع موسكو بحلّ وسط على طريقة «رجال الأعمال» والتسويات المالية، بتقديم تنازلات متبادلة «تأخذ» بها روسيا الأراضي التي سيطرت عليها، بينما تأخذ الولايات المتحدة بقية أوكرانيا بـ «مواردها الثمينة» وتعطي الفتات منها للأوروبيين، ويخرج الجميع بحلّ وسط «لا هازم ولا مهزوم»، ويبدو أن تيار ترامب تخيّل أن بإمكان الولايات المتحدة فرض هذا الأمر من منطلق القوة.

لكن موسكو، لم يكن يوماً منطلقها يتعلق بالـ «سيطرة» بداعي الثروات، أو أي نزاع مالي، وعليه لا يمكن حلّ هذا الصراع، أو أيّ كان غيره، وفق عقلية «رجل الأعمال» إنما ومنذ ما قبل بدء معركة أوكرانيا، الأمر يتعلق بالأمن القومي بمواجهة تمدد الناتو سواء كحلف، أو كدول أعضاء فيه، وعليه فإن أي تسوية تتعلق بأوكرانيا لا يمكن لها إلا أن تحتوي «ضمانات» أكيدة بتحقيق المصلحة الروسية بذلك: إنهاء فكرة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وبالتأكيد عدم وجود أي قوى عسكرية لأي دولة من دول الحلف بداخلها، وتحت أي مسمى كان مستقبلاً، وبقاء كييف بموقع «محايد» على الأقل، ومن ذلك فإن أي خطة «ترامبوية» لا تشمل تأمين هذه الشروط وفرضها على الأوروبيين فعلاً، فمصيرها الفشل.

من جهة أخرى، يخطئ ترامب بتقدير قوة وحجم الولايات المتحدة، ليس تجاه روسيا فحسب، بل والأوروبيين كذلك، ظناً منه أن «الأتباع الأوروبيين» عليهم أن يقولوا «سمعاً وطاعة»، إلا أن الوقائع تثبت له أن الأمور ليست بهذه السهولة، فالأوروبيون يدركون بدورهم أن الاعتراف بانتصار موسكو، يعني الإقرار بهزيمتهم، وانتهاء المشروع الغربي بإخضاع الشرق وكبح تطوره، بل وعكس المسار رسمياً تجاه الإطاحة بنخبهم هذه، أي أنها معركة وجود، فيقاتلون بأسنانهم مخاطرين بتداعيات هذا التصعيد، الذي يمكن له أن يضع أوروبا بأسرها مكان أوكرانيا، لتطالها الحرب وصولاً للمخاطر «النووية».

وإذا ما أراد ترامب الانسحاب من الصراع الأوكراني بشكل أحادي، مثلما جرى بوقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مؤقتاً مع كييف مثالاً، تتضح مدى هشاشة الأخيرة، بما يؤدي لانهيارات متسارعة فيها، ويدفع الأوروبيون لملء الفراغ بإرسال قواتهم، وهو ما يجري بحثه مع زيلينسكي، بما لا يؤمّن شيء في نهاية المطاف شيئاً لواشنطن، ويتبين حجم التورط العميق للولايات المتحدة بالصراع، والتداخل مع أوروبا فيه، فخسارة واحدة منهما تؤدي حتماً لخسارة الأخرى.

لا يمكن إنهاء الصراع في أوكرانيا إلا باعتراف وإقرار الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء بالهزيمة الاستراتيجية، والمضي وفقاً لهذا الأمر، وإلا فإن المستقبل يحمل واحداً من اثنين، إما توسع رقعة الحرب، أو بدء دومينو انهيارات وتغييرات عاصفة بالدول الغربية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221