في تشاد... من يملاً فراغ الفرنسيين؟
كنان دويعر كنان دويعر

في تشاد... من يملاً فراغ الفرنسيين؟

شهدت دولة تشاد تحولات جيوسياسية مهمة خلال الأشهر الأخيرة، وذلك في أعقاب قرار السلطات إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا، وانسحاب القوات الفرنسية من البلاد. هذا الانسحاب الذي يمثل نهاية عقود من الحضور الفرنسي في تشاد، فتح المجال أمام قوى إقليمية أخرى للتدخل والعمل على تعزيز نفوذها في المنطقة، وفي هذا السياق، برزت تركيا كلاعب رئيسي يسعى لملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الفرنسي.

الانسحاب الفرنسي: نهاية حقبة

في 30 كانون الثاني الماضي، سحبت فرنسا آخر جنودها من تشاد، منهية بذلك وجوداً عسكرياً استمر لعقود في البلد الأفريقي. كان هذا الانسحاب نتيجة قرار تشادي رسمي بإنهاء اتفاقية التعاون العسكري التي كانت تربط البلدين منذ فترة طويلة. وقد جاء القرار بعد تصاعد التوترات بين باريس ونجامينا، خاصة في ظل انتقادات متزايدة للدور الفرنسي في أفريقيا، حيث اعتبر العديد من الأفارقة أن الوجود العسكري الفرنسي هو امتداد للعقلية الاستعمارية القديمة.
أدت هذه الخطوة إلى إعادة تشكيل المشهد الأمني في تشاد، حيث أصبحت البلاد في حاجة إلى شريك جديد يمكنه مساعدتها في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، بما في ذلك التهديدات الإرهابية والصراعات الإقليمية الممتدة من السودان وليبيا. كما أقيم حفل رسمي بحضور الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي على مدرج مطار قاعدة أدجي كوسيه، الذي أقلعت منه آخر طائرة فرنسية أواخر يناير الماضي. وكانت هذه القاعدة نقطة انطلاق القوات الفرنسية الحرة في العام 1940، ومنها قاد الجيش الفرنسي معظم عملياته في أفريقيا.

تركيا تُثبّت أقدامها في تشاد

مع الانسحاب الفرنسي، سارعت تركيا لتعزيز حضورها العسكري والسياسي في تشاد، مستغلة الفراغ الذي تركته باريس. وأبرز خطوات أنقرة في هذا الصدد هي استلامها قاعدة أبيشي العسكرية شرق تشاد، والتي كانت تحتوي سابقاً على قوات فرنسية. تم ذلك في إطار اتفاقية عسكرية أبرمت بين البلدين منتصف الشهر الماضي، وهي اتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون الدفاعي بين أنقرة ونجامينا.
بالإضافة إلى قاعدة أبيشي، كشفت مصادر تركية وتشادية عن نشر طائرات مسيّرة تركية الصنع «بيرقدار» في محيط قاعدة فايا لارجو على الحدود الليبية. وتعد هذه القاعدة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تقع بالقرب من مناطق النزاع في ليبيا والسودان، مما يجعلها نقطة انطلاق محتملة لمراقبة الوضع الأمني في المنطقة.

ردود الفعل المحلية والدولية

رحبت الحكومة التشادية بالتعاون العسكري مع تركيا، حيث أكد الرئيس محمد إدريس ديبي: أن العلاقات بين البلدين تستند إلى مصالح مشتركة ورغبة في تعزيز الشراكة. كما رحب الإعلام التركي بهذه الخطوة، مروجًا لفكرة أن التعاون مع تشاد سيجلب السلام والاستقرار إلى المنطقة، خاصة في شرق البلاد المحاذي للسودان، الذي يشهد حالة من الاضطرابات بسبب الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

من جهة أخرى، أثارت هذه التحركات التركية قلق بعض الأطراف الدولية، خاصة فرنسا التي تعتبر نفسها الخاسر الأكبر من هذه التطورات. فقد انتقدت وسائل الإعلام الفرنسية الوجود التركي في تشاد، مشيرة إلى أن أنقرة تستغل الفراغ الذي خلفته باريس لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. وكانت فرنسا تعول على أن انسحابها سيترك فراغاً كبيراً، وأن الدول الأفريقية غير قادرة دون الحماية الفرنسية على ملء ذلك الفراغ، مما قد يؤدي إلى تمدد قوى إرهابية.

التطورات السياسية الداخلية في تشاد

تزامنت هذه التطورات مع إعلان تشاد انتهاء المرحلة الانتقالية وتشكيل برلمان جديد. عُقدت الجلسة الأولى للجمعية الوطنية التشادية في مقر البرلمان المعروف بـ «قصر الديمقراطية»، في إعلان رسمي عن انتهاء عمل المجلس الوطني الانتقالي. وجاء هذا التطور عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما أسفر عن تشكيل برلمان جديد يضم 188 نائباً، ليعود بذلك النظام التشريعي إلى مساره الطبيعي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحكم الانتقالي.

بدأت الجلسة بكلمة ألقاها الأمين العام للمجلس الوطني الانتقالي، أعلن فيها انتهاء مهام المجلس الذي اضطلع بالسلطة التشريعية منذ وفاة الرئيس إدريس دبي إيتنو عام 2021. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي في تشاد، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية المستمرة.

تمثل التطورات الجارية في تشاد بعد انسحاب القوات الفرنسية فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات الدولية في أفريقيا. وبينما تسعى تركيا لتعزيز حضورها العسكري والاقتصادي في المنطقة، فإن نجاحها في تحقيق أهدافها يعتمد على قدرتها على التعامل مع التحديات الأمنية والسياسية المعقدة. وفي الوقت نفسه، تبقى تشاد في موقع استراتيجي يمكنها من لعب دور مهم في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، مما يجعلها محط أنظار القوى الإقليمية والدولية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1213