ماذا بعد استعادة الجيش السوداني لمدينة ود مدني؟
شهد السودان تطورات كبيرة في الصراع الدائر بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بـحميدتي)، منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان 2023. وقد خلف هذا الصراع الدامي أكثر من 20 ألف قتيل، ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية. وفي خضم هذه الأحداث، برزت استعادة الجيش السوداني لمدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، كحدث محوري قد يُشكّل نقطة تحول في مسار الحرب.
تُعتبر مدينة ود مدني، التي يبلغ عدد سكانها قرابة 700 ألف نسمة، ثاني أكبر المدن السودانية بعد العاصمة الخرطوم. وتكمن أهميتها في موقعها الاستراتيجي، حيث تقع على الضفة الغربية للنيل الأزرق، وتُشكّل حلقة وصل حيوية بين مختلف ولايات السودان. وقد استعاد الجيش السوداني السيطرة على المدينة في 11 يناير 2024، بعد معارك شرسة مع قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر عليها.
عملية استعادة ود مدني لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة جهود استمرت لأشهر، بدأت بتراجع قوات الدعم السريع بعد هزيمتها في معركة جبل موية في تشرين الأول 2023. وقد اعتمد الجيش السوداني خطة عسكرية محكمة، تمحورت حول ثلاثة محاور رئيسية: الجنوب (انطلاقاً من ولاية سنار)، والشرق (من الأطراف الشرقية للجزيرة)، والغرب (من منطقة المناقل). هذه العملية عزّزت قبضة الجيش على منطقة استراتيجية تُعتبر مفتاحًا للسيطرة على باقي المناطق.
تداعيات استعادة ود مدني
استعادة ود مدني ليست مجرد انتصار عسكري، بل تحمل دلالات سياسية واستراتيجية عميقة. فمن الناحية العسكرية، يُعتبر هذا الانتصار ضربة قوية لقوات الدعم السريع، التي بدأت تظهر عليها علامات الضعف والتراجع. وقد أقر قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بالهزيمة في هذه الجولة، لكنه أكد أن قواته «خسرت جولة، ولم تخسر المعركة».
رداً على خسارة ود مدني، قامت قوات الدعم السريع بعمليات انتقامية استهدفت البنية التحتية الحيوية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. وشملت هذه الهجمات استهداف محطات الكهرباء وسد مروي، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدة ولايات، بما في ذلك ولايات نهر النيل والبحر الأحمر والقضارف وكسلا وسنار. هذه الهجمات تُظهر استمرار قدرة قوات الدعم السريع على التسبب في اضطرابات كبيرة، رغم تراجعها العسكري.
من الناحية السياسية، يُمكن اعتبار هذا التطور بداية لتغيرات إستراتيجية في الصراع. فود مدني ليست مجرد مدينة، بل هي رمز للسيطرة على وسط السودان، وقد يُشكّل سقوطها بداية لانهيار نفوذ قوات الدعم السريع في مناطق أخرى. كما أن استعادة المدينة قد تفتح الباب أمام معركة الخرطوم الكبرى، التي يُتوقع أن تكون حاسمة في تحديد مصير الصراع.
العقوبات الأمريكية: محاولة للضغط على الأطراف
في إطار التطورات السياسية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، في محاولة للضغط على الطرفين لإنهاء الصراع. وقد وصفت هذه العقوبات بأنها محاولة أمريكية للتحكم في تطور الملف السوداني من خلال الضغط على الأطراف جميعها. ومع ذلك، رفض البرهان هذه العقوبات ووصفها بأنها «بائسة»، مؤكداً أنها لن تؤثر على دوره أو على مسار الحرب.
في سياق التطورات السياسية، أطلق البرهان رسالة واضحة للدول التي تدعم قوات الدعم السريع، حيث قال: «علاقات السودان ستبنى على مواقف الدول من هذه الحرب». هذه العبارة تُعتبر تحذيراً للدول التي تدعم قوات الدعم السريع سياسياً أو عسكرياً، وتُشير إلى أن السودان سيعيد تقييم علاقاته مع هذه الدول بناءً على مواقفها من الصراع. وقد عززت زيارة البرهان الأخيرة إلى عدة دول أفريقية من موقفه الإقليمي، حيث حظي بدعم أكبر في المنطقة، خاصة بعد تأكيده أن الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على التمرد.
الأزمة الإنسانية: الخطر الأكبر
رغم التطورات العسكرية والسياسية، تبقى الأزمة الإنسانية هي الخطر الأكبر الذي يهدد السودان. فالحرب المستمرة منذ عامين أدت إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص، وتفاقم نقص الغذاء والخدمات الأساسية. وقد أثرت الهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع على البنية التحتية، مثل: سد مروي ومحطات الكهرباء، على حياة المدنيين بشكل كبير، حيث تعرضت مناطق واسعة لانقطاع التيار الكهربائي.
يُمكن القول: إن استعادة ود مدني قد تكون بداية النهاية لقوات الدعم السريع، خاصة مع تراجعها المستمر وفقدانها لمواقع استراتيجية. ومع ذلك، فإن الصراع لا يزال بعيداً عن الحل النهائي، خاصة مع استمرار الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع وتصاعد الأزمة الإنسانية.
في النهاية، تُشكّل استعادة ود مدني خطوة مهمة نحو إعادة الاستقرار إلى السودان، لكنها تبقى جزءاً من معركة أوسع، تتطلب جهوداً سياسية ودبلوماسية لإنهاء الحرب، وإنقاذ ملايين السودانيين من الكارثة الإنسانية التي تهدد البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1210