«منتدى التعاون» ... أنقرة تطرق بوابة أفريقيا
انعقد المنتدى الـ11 للتعاون بين تركيا وأفريقيا في منتصف الشهر الجاري، واستمر لمدة يومين، جامعاً أكثر من 1500 مشارك من 54 دولة أفريقية لمناقشة سبل تعزيز التعاون التركي- الأفريقي. يأتي هذا المنتدى كإضافة هامة لمسار التعاون بين تركيا وأفريقيا، في ظل تزايد أهمية القارة الأفريقية على الساحة الدولية، وسعي تركي لأداء دور اقتصادي ودبلوماسي واسع في القارة.
تطور العلاقات التركية الأفريقية
تعود جذور العلاقات التركية الأفريقية إلى عام 2005، عندما انضمت تركيا إلى الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب، وفي عام 2008 أعلنت تركيا شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأفريقي، مما أدى إلى تطور ملحوظ في العلاقات الثنائية. وقد أكد وزير التجارة التركي، عمر بولات، على الأهمية المتزايدة للمنتدى ضمن سياق «سياسة الشراكة مع أفريقيا»، مشيراً إلى أن عدد السفارات التركية في أفريقيا قفز من 12 سفارة في عام 2003 إلى 44 سفارة في عام 2024، مع توقعات بزيادة العدد قريباً إلى أكثر من 50 سفارة.
شهدت العلاقات التجارية بين تركيا وأفريقيا أيضاً نمواً كبيراً خلال العقدين الماضيين، حيث تضاعفت صادرات تركيا إلى أفريقيا عشر مرات منذ عام 2003، لترتفع من 2.1 مليار دولار إلى 22 مليار دولار في عام 2023. وعلى الجانب الآخر، بلغت واردات تركيا من أفريقيا 15 مليار دولار، ما يعكس التوسع الملحوظ في الشراكة التجارية بين الطرفين.
كما تسعى تركيا لأداء دور أكبر في عددٍ من الملفات الساخنة في أفريقيا، خاصة في القرن الأفريقي، ودورها في محاولة تخفيف حدة التوتر بين الصومال وأثيوبيا، من خلال عقد عدة جولات حوار جديّة غير مباشرة بين الدولتين، كذلك الحضور التركي في الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى دورها في الملف الليبي، هذا كله يُحمّل المنتدى الاقتصادي أبعادا ًسياسية واستراتيجية للعلاقات التركية الأفريقية، وهذا ما ظهر بشكل واضح بكلمات المتحدثين في المنتدى، وتركيزهم على أنّ العالم يتغير، والموقع الذي تحتله أفريقيا ضمن هذا التغيير.
مخرجات المنتدى
ركز المنتدى على توسيع نطاق التعاون بين تركيا وأفريقيا في عدة مجالات رئيسية، تشمل الاقتصاد: الطاقة، والتعليم، والصحة. وقد شارك رئيس «منتدى التعاون الصناعي العالمي»، أوتقو بنكيسو، الذي أكد على أن «العالم سيصبح أكثر ارتباطاً بأفريقيا مع مرور الوقت»، مشيراً إلى فرص الاستثمار الهائلة المتاحة في القارة. وأوضح بنكيسو، أن السوق الأوروبية تتقلص بسبب الركود الاقتصادي إذْ قال: «نشهد الآن تقلصاً في السوق الأوروبية أيضاً، فالاقتصاد الألماني يتقلص في ظل تنامي خطر الركود، وفرنسا تعاني من وضع مشابه، وسوق التصدير في إيطاليا، بدأ يدخل مرحلة الشيخوخة، وسكانها آخذون في التناقص خلال العقد الأخير». مما يدفع العالم للبحث عن أسواق جديدة تتمتع بإمكانيات كبيرة، وتعد أفريقيا اليوم أحد هذه الأسواق الواعدة، كما أفاد بنكيسو بأن حجم التجارة التركية مع أفريقيا قد وصل إلى 35.5 مليار دولار، مما يعكس مستوى الشراكة القائم بين الجانبين. وفيما يتعلق بالاقتصاد الأفريقي، ذكر أن القارة تضم حوالي 1.5 مليار نسمة، وأن الناتج الاقتصادي يصل حالياً إلى 3.25 تريليون دولار، مع توقعات بزيادة عدد السكان إلى 2.8 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يشير إلى إمكانيات هائلة لنمو اقتصادي مستقبلي
تنافس على ملء الفراغ الاستعماري في أفريقيا
تسعى تركيا إلى استغلال موقعها الجيوسياسي لتقديم نفسها كبديل عن القوى الاستعمارية الغربية، وشريك اقتصادي موثوق، بالإضافة إلى دعمها العسكري، وخاصة بالطائرات دون طيار للدول الأفريقية، هذا النهج يجد ترحيباً في القارة، التي تتطلع إلى شركاء جُدد بعيداً عن الهيمنة التاريخية لبعض القوى الأوروبية، وتأمل أن تجد شركاء جديرين بالثقة، ويفتح ظرفاً كهذا، الباب واسعاً أمام تركيا في توسيع نشاطها وشراكاتها الاقتصادية، وتحديداً في مجالات الطاقة، شرط أن تبني علاقات بمنظور مختلف عن القوى الاستعمارية.
هل تحظى تركيا بثقة أفريقيا؟
يمثل المنتدى الـ11 للتعاون بين تركيا وأفريقيا نقطة انطلاق جديدة لمستقبل التعاون التركي الأفريقي، ويعكس الرؤية التركية تجاه تعزيز العلاقات التجارية والسياسية مع دول القارة، مع إعلان أنقرة التزامها بتوفير الدعم التنموي والاقتصادي.
إن طبيعة الدور الذي تسعى له تركيا في القارة السمراء يحتاج إلى وقتٍ أطول حتى تتضح ملامحه، لكن ما يمكن قوله: إن أنقرة ترى أن الساحة الأفريقية شديدة الاتساع ومليئة بالفرص، وتدرك القيادة التركية أنه ينشأ في القارة تيار متنامٍ يطمح لبناء علاقات ندية مع دول أخرى، وتحديداً بعد تجربة طويلة ومريرة مع الاستعمار، لذلك تحرص تركيا على تقديم نفسها بشكلٍ مختلف، وهو الطريق الوحيد لبناء شراكات استراتيجية حقيقية، وهو ما يمكن أن يساهم في حل الكثير من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد التركي، فمن جهة يمكن أن تدخل البضائع التركية إلى أسواق جديدة، ومن جهة ثانية يمكن أن يفتح أمام هذا الاقتصاد كنوزاً من الخامات التي يحتاجها، وهو ما ظهر بشكلٍ واضحٍ مع زيارة وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، أرسلان بيرقدار، إلى مقديشو للمشاركة في حفل استقبال سفينة التنقيب التركية «الريس عروج».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1198