الكيان يهاجم العالم بأسره.. الأمم المتحدة بوابة ورمز مكثف
يحارب الكيان الصهيوني لأجل «وجوده/ احتلاله» منذ نشأته على طول الخطّ، ويحارب الآن بإجرامٍ أعلى بمواجهة تهديدٍ وجوديٍ بات أقرب من أيّ وقتٍ مضى، وإذا ما كان منذ نشأته يضرب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعرض الحائط، بات اليوم يهاجمُ الأمم المتحدة مباشرةً سياسياً ودبلوماسياً ومؤخراً عسكرياً.
يتزامن الهجوم الصهيوني على المؤسسة الدولية مع تراجع قدرة الكيان ومشغّله الأمريكي على الضبط والتحكم بهذه المؤسسة الدولية. وهو ما يعني ضمنياً مسألتين، الأولى: هي شيطنة الأمم المتحدة والتنصّل من قراراتها. والثانية: هي الهجوم على المجتمع الدولي بأسره، عبر الهجوم على الأمم المتحدة، كونها المعبّرة عن هذا المجتمع، وترمز إليه.
ليس جديداً، ولا استثنائياً، صدور قراراتٍ من الأمم المتحدة تُدين «إسرائيل» أو تتناقض مع مصالحها وأهدافها ومطامعها، فمهما كان بمقدور واشنطن وتل أبيب وفي ذروة قوتهما السيطرة وضبط ما يجري ويصدر عن الأمم المتحدة، لم يكن بمقدورهما فرض ما يريدون على الدول المختلفة، وما تقدمه من مشاريع قرارات، سواء في الجمعية العامة، أو مجلس الأمن والتصويت عليها، وظل بإمكانهم استخدام الفيتو واستثمار حيازة الدول الغربية لهذا الحق، لتعطيل أكبر عدد ممكن من هذه القرارت.
واستطاعت الولايات المتحدة ونظراً لأنها تؤدي دور «شرطي العالم» أن تعتبر أي قرارات لا تناسبها قرارات غير ملزمة، وأعطت الغطاء اللازم «لإسرائيل» لتجاهلها، مدعومة بالقوّة الأمريكية التي لم تكن ترى أطرافاً أخرى في العالم قادرة على لجمها.
الجديد اليوم، لا يتعلق بالنتيجة التي نراها ممثلةً بالقرارات الأشدّ التي تصدرها الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية المشابهة، وكان آخرها وأبرزها إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال بحقّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وإنما بالسبب خلفها والمتمثل بخطّين على التوازي: تراجع الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، وصعود قوى دولية جديدة مناهضة لهما، ومنه ينعكس على مختلف الدول الأخرى، وذلك معناه عملياً، ضغط وتهديد مباشر وحقيقي على الكيان الصهيوني، وإمكانية إلزامه لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي كافة، بما فيها إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.
إعلان الحرب على المؤسسات الدولية وما تلاه
منذ أن أعلنت محكمة الجنايات الدولية عن مذكّرتي الاعتقال، اتخذت تل أبيب– بإيعاز من واشنطن بطبيعة الحال– قراراً ببدء شيطنة المحكمة والهجوم عليها، وبعد عملٍ إعلامي وصحفيّ وسياسيّ دؤوب مهّد لهذه المهمّة، ثم انتقل الهجوم إلى مرحلة جديدة أعنف ضد الأمم المتحدة، وصلت حد «إعلان الحرب» عليها من على منبر قاعة الجمعية العامة نفسها في نيويورك 27 أيلول الماضي على لسان نتنياهو بخطابه قائلاً: إن الأمم المتحدة باتت «مهزلة مثيرة للازدراء».
وبدأ «الازدراء» في 2 تشرين الأول، حينما أعلن وزير خارجية الكيان يسرائيل كاتس، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخصيةً غير مرغوب بها في «إسرائيل»، وذلك بدءاً من عدم انصياعه لتل أبيب في إدانة هجوم 7 تشرين الأول الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في العام الماضي، ومواقفه الداعمة لوقف الحرب على غزة، ولاحقاً على لبنان، ودعم إقامة دولة فلسطينية كاملة، استناداً لقرارات مجلس الأمن من جهة، وتعبيراً مكثفاً عن مواقف المجتمع الدولي بأغلبيته المطلقة، كما برز في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإدانته لإجرام الكيان المستمر.
وكان الكيان الصهيوني قد عبّر صراحةً بأشكال مختلفة على مرّ العام: كل من ليس معنا، ضدنا، وكل من لا يدين هجمات السابع من تشرين الأول، ضدنا.
تلا ذلك هجمات عسكرية مباشرة على قوات حفظ السلام «اليونيفيل» التابعة للأمم المتحدة ضمن الشريط الفاصل، أو ما يسمى بالخطّ الأزرق، وذلك رغم إشارات وتحذيرات سابقة من «اليونيفيل» التي أصدرت بياناً في 6 من شهر تشرين الأول الجاري، جاء فيه «تشعر اليونيفيل بقلق بالغ إزاء الأنشطة الأخيرة التي قام بها [الجيش الإسرائيلي] بالقرب من موقع البعثة 6-52»، وبعد 4 أيام بالضبط أعلنت البعثة عن إصابة جنديين من قوات حفظ السلام، جراء قصف «إسرائيلي» شبه مباشر، وإصابة برج مراقبة تابع لها، ثم في 12 من الشهر الجاري أُعلن عن إصابة جندي آخر من قوات حفظ السلام بإطلاق نار، لكن دون اتهام مباشر للكيان بذلك.
الجدير ذكره، أن الكيان وبعد قصفه لها، طالب وضوحاً قوات حفظ السلام بنقل قواتها لمسافة 5 كم نحو الشمال، إلا أن الأخيرة أعلنت بتحدِ رفض هذا الطلب، واستمرارها بمحاولة أداء مهمتها.
الأمم المتحدة رمزٌ مكثف للمجتمع الدولي
إن شيطنة الأمم المتحدة والهجوم عليها بهذا الشكل، وإذ كان يهدف بجزء منه للتنصّل من قراراتها، ومحاولة التقليل من شأن إداناتها، إلا أنه وبالجزء الأكبر منه، يعني هجوماً على المجتمع الدولي بأسره، وبأغلبيته المطلقة المناهضة للكيان وممارساته، وكما قال المندوب الروسي في مجلس الأمن: إن قرار «إسرائيل» بإعلان غوتيريش شخصيةً غير مرغوب بها «صفعة ليس فقط للأمم المتحدة، بل لنا جميعاً في مجلس الأمن... ندعو أعضاء مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى الرد على هذا العمل الشائن».
وإذ كان هذا الهجوم تنفّذه «إسرائيل» فإن مطلقته وراعيته عملياً هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم يعد بمقدورها فرض أجندتها ومصالحها على المجتمع الدولي، أو عدم اتخاذه في الحسبان، سواء بمعاركها المباشرة، أو بحماية «طفلها الصهيوني»، وعليه، أمام الفرز الحاصل دولياً بغير مصلحة واشنطن، باتت هذه الدول جميعها خصوماً وأعداء يمثلون تهديداً حقيقياً، باستثناء بضعة دول أوروبية، وقلّة من الحكومات الخانعة، بشكلٍ مؤقت.
وإذا ما كانت مسألة استمرار وجود الكيان الصهيوني قد وضعت على طاولة البحث وعلى المدى المنظور، مما يدفعه لممارساته الوحشية والجنونية الأخيرة، وصولاً إلى حمله لواء الهجوم على المجتمع الدولي بأسره، عبر بوابة الأمم المتحدة، فإن ما يشابهه– وبشكلٍ أدق منطلقه وأساسه- يتعلق بمسألة استمرار وجود الدور الأمريكي الذي عرفناه سابقاً، وهي التي سبقت الكيان أساساً بسنوات، عبر انسحابها من بعض الاتفاقيات الدولية كباريس للمناخ، والشراكة التجارية وغيرها.
إن رصد السلوك الصهيوني اتجاه المؤسسات الدولية وتحديداً الأمم المتحدة، يدفعنا إلى استنتاج مفاده، أن هذه المعارك اليومية والاستفزازات الصهيونية هي نابعة في الواقع من قرار سياسي واعٍ داخل الكيان، وليست قرارات متفرقة، أو ردات فعلٍ، بل تعكس إلى حدٍ كبير إدراك الكيان أنه يدخل مرحلةً جديدة، لم يعد متاحاً فيها تقديم نفسه كـ ابن شرعي للمجتمع الدولي، فهو كيان خارج عن هذا القانون، ويعلم مسبقاً أن الصدام مع هذا المجتمع قادم لا محالة، ولكنّه استطاع تأخيره قدر الإمكان، وذلك تحديداً استناداً إلى الوزن الأمريكي الذي فرض سردية محددة للتعامل مع الكيان، أما اليوم فالوضع اختلف، وبات الصدام حاصلاً ولا يمكن تجاهله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1196