المقاومة في لبنان وفلسطين أول خطوط دفاعنا وأكثرها تماسكاً!

المقاومة في لبنان وفلسطين أول خطوط دفاعنا وأكثرها تماسكاً!

تثبّت الأحداث المتسارعة، أننا نشهد مرحلة مفصلية شديدة الخطورة، وتؤكّد مجدداً أن التصعيد الأمريكي- الصهيوني يستهدف في الحقيقة المنطقة بأكملها، وتحديداً استقرار دولها الأساسية، فالحملة الشرسة التي نتعرض لها تستوجب بالضرورة تسخير كل الإمكانات الممكنة لمنع مخطط خبيث موضوع بالفعل على طاولة غرفة العمليات الأمريكية-الصهيونية.

جاء الرد الإيراني في أحد جوانبه على شكل عملية عسكرية دقيقة، تحت اسم «الوعد الصادق 2» والتي وجّه فيها الجيش الإيراني ضربة صاروخية تاريخية ضد الكيان الصهيوني، واستطاعت نسبة كبيرة من الصواريخ المستخدمة أن تضرب أهدافها بدقة، ما شكّل صدمةً وإرباكاً لـ «إسرائيل» والولايات المتحدة وحلفائهما، بعد أن عجزوا مجتمعين إلى حدٍ كبير عن صدِّ الهجوم، وبرغم نجاح الاستهداف الإيراني، إلا أن المعركة ما تزال أمامنا باحتمالاتها الكثيرة.

ردّ إيراني مزدوج

اللحظة التي اتخذت فيها القيادة الإيرانية قراراً بتوجيه الضربة الصاروخية، كانت لحظةً حرجةً، اتسمت بانخفاض الروح المعنوية لدى أوساطٍ كثيرةٍ، فبعد اغتيال قيادات حزب الله اللبناني، واستشهاد أمينه العام حسن نصرالله مع شخصيات من الحرس الثوري الإيراني كانت موجودة بالفعل في لبنان، لم يُظهر مقاتلو المقاومة اللبنانية وقادته الميدانيين أيَّ تقاعس، واستمروا بتنفيذ مهامهم العسكرية بدقة وثبات، إلا أنَ أثر الاغتيالات الإعلامي- السياسي ترك ظله الثقيل، وهو ما ساهم الرد الإيراني بشكل كبير في تبديده، عبر ردّ إعتبار بالنار لقدرات الجبهة التي تخوض المعركة على الأرض، فإلى جانب النتائج العسكرية الكبيرة والمهمة لـ «الوعد الصادق» التي يمكن اختصارها بنجاح إيران في توجيه ضربة لقواعد عسكرية استراتيجية في الكيان الصهيوني، وفشل المنظومة الغربية في صد تلك الضربة، ظهر مجدداً أن رواية الكيان عن أنّهُ صاحب المبادرة الحاسمة لا يمكن أن تصمد أمام الواقع، وأثبتت الضربة أن المعركة مستمرة، وأن حسمها لصالح الولايات المتحدة وذراعها في منطقتنا هدفٌ بعيدٌ لا يمكن تحقيقه بهذه البساطة!
الرد الإيراني لم ينحصر في إطلاق الصواريخ، بل سعت طهران من خلال نشاطها الدبلوماسي إلى عقد لقاءات على أعلى المستويات في الخليج، وحضرَ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بعد يومين من الضربة اجتماعاً مع منظمة التعاون الخليجي، أكد حرص طهران على تطوير العلاقات مع الدول العربية، في ظلّ الظرف الحساس للمنطقة، ثم خرج الخامنئي في خطبة يوم الجمعة 4 تشرين الأول الجاري، وتناول فيها عدداً من المسائل الأساسية، واستخدم اللغة العربية مذكراً بدرجة الترابط الثقافي في منطقة تواجه مجتمعةً خطراً مشتركاً قادماً من الكيان الصهيوني والغرب، وأشار إلى كون طوفان الأقصى والعام الذي تلاه، أثبت بجهود المقاومة في فلسطين ولبنان أن هاجس الكيان الأساسي هو «حفظ وجوده» وهذا يذكّر بوضعه يوم تأسيسه المشؤوم. ليتبع الكلمة تلك، زيارة لوزير خارجية إيران إلى لبنان ثم سورية، مؤكداً ومن على خط النار: ثبات إيران في موقفها ودعمها للمقاومة في لبنان.

استشعار الخطر

في العودة إلى نقطة البداية، نقول: إن الرصاصات الأولى التي أطلقها جيش الاحتلال في عملية «السيوف الحديدية» موجّهة إلى المنطقة برمّتها، وكان من السهل الانتباه إلى إدراك الدول الأساسية في الإقليم لحجم الخطر المحدق، وإن كانت عوامل عدّة أبطأت استجابتها له، لكن تسارع العدوان فرض على الجميع تسريع الخطى، ويمكن رؤية حجم التسارع في جملة من المؤشرات، كان أبرزها: تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال: إنَّ «[إسرائيل] تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان» مشيراً إلى ضرورة منع «سايكس بيكو جديد» يجري العمل عليه، ونبّه إلى وجود «خطة خبيثة» قيد التنفيذ، وقال: إنّها «لن تقتصر على غزّة والضفة الغربية ولبنان، ولا ينبغي أن يكون المرء منجماً لمعرفة هدفها النهائي».

ومع ذلك، سيستمر الضغط الصهيوني على كامل الجبهات في الفترة القادمة، ومع أن الخسائر التي تلحق به كبيرة، إلا أن «إسرائيل» تخوض معركة وجود، ومن هذه النقطة بالذات، ينبغي فهم أن خياراتها محدودة، وهو ما يعني بالضرورة، أنّها ستكون بأعلى درجات العدوانية في تاريخها، ولكن هذا التفسير يظلُّ قاصراً إذ أنّه جزءٌ من صورة أشمل، فالكيان يعمل منذ اللحظة الأولى وفقاً لخطة أمريكية، تعكس أزمة عميقة تعيشها هذه الأخيرة، ويظهر أن هدف تفجير المنطقة ليس هدفاً ثانوياً، بل هو هدف أمريكي ضروري، وبرغم أن صلاحية تحقيقه محدودة زمنياً، ترى واشنطن أن هناك فرصة لتحقيق هذا الهدف، لكن نجاح المخطط المشؤوم مرهون بكسر المقاومة في لبنان وفلسطين، وهي مهمة شديدة الصعوبة، وخصوصاً، إذا ما رأينا أنَّ سياق تطور الأمور في الإقليم يمكن أن يحوّله إلى جبهة إمداد مع تعاظم الخطر، فالمقاومة في فلسطين ولبنان هي في الواقع أول خطوط دفاعنا، وربما تكون أكثرها متانة وثبات، وهو ما يجعل دعمها ومنع اختراقها مفصلاً في تاريخ المنطقة.

في جريدة معاريف، قال الجنرال الصهيوني المتقاعد يتسحاق بريك بالحرف: إن المعركة الحالية هي «أمريكية-إسرائيلية» وإنّ جيش الاحتلال هو «المقاول التنفيذي» بينما تؤدي واشنطن الدور المركزي. الحقيقة التي أقرّ بها بريك هي بالتحديد الأداة الأساس في توقّع شكل تطور الأمور، فإن كان «المقاول التنفيذي» هو ما نراه في الواجهة، فهذا لا يلغي أن من يديره يتحمّل إلى جانبه المسؤولية في كل ما يجري، بل يتحمّل المسؤولية الأكبر، وحين نتلمّس أن دول الإقليم تشعر بتهديد، فهي تدرك بالضرورة من ذاك الذي يستهدفها، وإن كشف حقيقة بهذا الحجم يستوجب إجراءات مصيرية في إعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة، التي تتحوّل إلى واحدة من مهام الأمن الوطني لكل دول الإقليم، وإن التقاعس في تنفيذها لن يكون إلا تفريطاً في مصالح شعوب المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1195