إيران و«التعاون الآسيوي»: نحو برّ الأمان الشامل!
أحمد علي أحمد علي

إيران و«التعاون الآسيوي»: نحو برّ الأمان الشامل!

انعقدت القمة الثالثة لمنتدى حوار التعاون الآسيوي في الدوحة يومي 4 و5 تشرين الأول/أكتوبر 2024، بمشاركة وفود من 35 دولة آسيوية، ومثّل الحدث منصة رئيسية لتعزيز الحوار والتعاون بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد، والتكنولوجيا، والثقافة، والدبلوماسية الرياضية. 

لمحة سريعة عن المنتدى

قبل الخوض في التفاصيل والتحليلات، سنبدأ بلمحة بسيطة عن منتدى حوار التعاون الآسيوي (ACD)، فهو منظمة ذات طابع إقليمي، تهدف إلى تعزيز التعاون والحوار بين الدول الآسيوية في مجالات متعددة. تأسس المنتدى في عام 2002 بمبادرة من تايلاند، ويضم في عضويته 35 دولة من جميع أنحاء آسيا، بما في ذلك دول الخليج، وإيران، والهند، وغيرها.
تتغير رئاسة المنتدى بين الدول الأعضاء فيه، وتكون الرئاسة لمدة عام واحد. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي 2023، إيران هي الرئيسة، وقامت بدور كبير في تنظيم العديد من الفعاليات، بما في ذلك القمة الثالثة التي انعقدت في الدوحة مؤخراً، والتي هي موضوع حديثنا في هذا المقال.

وفد إيراني بأعلى تمثيل!

أبرز الحضور في القمة الجديدة للمنتدى، هو الوفد الإيراني الكبير برئاسة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، فهذا الحضور الإيراني، بهذا الحجم، يحمل دلالات سياسيّة مهمّة، خاصّة أنه جاء بعد توترات إقليميّة، إذ يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعد المواجهة بين إيران و«إسرائيل»، بعد الضربة الأخيرة التي وجهتها إيران إلى للكيان.
المنتدى الذي انعقدت قمته الثالثة في الدوحة في قطر، حمل أبعاداً متعددة على الساحة الإقليمية، تتجاوز القضايا الاقتصادية والثقافية، التي عادة ما يتم تداولها في مثل هذه المنتديات، فقد كان بمثابة تأكيد على التحولات السياسية الجارية في المنطقة.

تحوّلٌ لا رجعة عنه!

واحدة من أحد أبرز الرسائل السياسية التي عكستها هذه القمة، هي أن وجود إيران بوفد رسمي يمثل إشارة قوية على رغبة وإصرار دول الخليج وإيران في تجاوز التوترات الماضية، والانتقال خطوة إلى الأمام في عملية التنسيق والتفاهم، ويعزز التوجه بأن هنالك تحوّلاً لا رجعة عنه، ما بين دول الخليج وإيران، رغم كل ما مضى، سيّما في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة برمّتها، والغارات العدوانية «الإسرائيلية» على قطاع غزة ولبنان.
وهنا نلفت الانتباه، إلى أن اللقاءات السابقة بين إيران ودول الخليج كانت تتم في إطار منظمة التعاون الإسلامي، أو جامعة الدول العربية فقط، لكن في هذه المرة حدث اجتماع غير رسمي بين إيران ومجلس التعاون الخليجي خلال المنتدى، وهذا يمثل خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إيران والدول الخليجية، وأساساً للتعاون المباشر في المستقبل، بعيداً عن القنوات الوسيطة.

الخليج يمنع أمريكا!

المسألة الثانية التي من المهم الإضاءة عليها في هذا السياق، هي الموقف الصادر عن السعودية، ودول أخرى، هي: قطر والإمارات والبحرين والكويت، بأنها تمنع الولايات المتحدة الأمريكية استخدام قواعدها الجوية في أي هجوم عسكري يستهدف إيران، مشدّدة على التزامها بالحياد في النزاع القائم بين طهران وكيان الاحتلال، ووفقاً لرويترز، فإن قادة الخليج بذلوا جهوداً «لطمأنة إيران» بشأن حيادهم في الصراع، بهدف تجنب أي تصعيد إضافي.

ردّ انتقامي لـ «داعمي إسرائيل»!

سيطرت الدعوات لخفض التوتر على جميع المناقشات المشار إليها هنا، وأبدى المجتمعون قلقهم من أن استمرار الصراع قد يهدّد المنشآت النفطية الحيوية في الخليج العربي.
ورغم أن إيران لم توجه تهديداً مباشراً لمنشآت النفط في الخليج، إلّا أنها أشارت إلى أن تدخل «داعمي إسرائيل» قد يؤدي إلى ردّ انتقامي يستهدف مصالحهم في المنطقة. وفي كلمته خلال الفعالية في الدوحة، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن أي هجوم مباشر أو عمل إرهابي أو تجاوز للخطوط الحمراء الإيرانية سيقابل بردّ قوي من القوات المسلحة الإيرانية.

نحو برّ الأمان الشامل

ختاماً، تظهر التطورات الجديدة أن إيران، وبعد أن تحرّكت لرصّ الصفوف داخل منظمة التعاون الإسلامي، لتعزيز موقفها وحضورها الإقليمي والدولي، وتوحيد الخطوات من باب واسع وأساسيّ، هو قضايا المنطقة المركزية والجوهرية، وعلى رأسها القضيّة الفلسطينية؛ تتقدم الآن خطوة تالية لفتح قنوات اتصال مباشرة من خارج الهيئات التقليدية المعروفة، وذلك بالتوازي مع العلاقات مع هذه الهيئات، ما يوحي بأن هنالك نشاطاً عامّاً وخاصّاً يجري في هذا الإطار، وهذا النشاط بشقيه، له الأبعاد والأهداف ذاتها التي تصب بالضدّ من مشروع الفوضى الشاملة الهجينة، التي تعمل المؤسسات الغربية- وعلى رأسها أمريكا- لإرسائه وتكريسه في المنطقة، إلى أجلٍ غير مسمّى.
وبالضدّ ممّا يُشاع، فإن ما تقوم به إيران في الجوهر، مبني على المصالح الاقتصادية– السياسية للمنطقة بالدرجة الأولى، وإذا ما كانت منظمة التعاون الإسلامي المنصّة الرئيسيّة التي جرى اعتمادها لهذا الغرض، فإنّ منصات أخرى رديفة بدأت تتكون لتسريع الخطى في المنطقة، التي تعيش أياماً ساخنة، والتي تشتدّ فيها التناقضات والصراعات إلى ذراً تتطلّب استنفاراً إقليمياً حقيقياً من الدول ذات الوزن الأعلى، لإدارة العمليات بحكمة عالية، وذلك بهدف التهدئة وإرساء الحلول المطلوبة المتعلقة بالملف المعني، وصولاً إلى بر الأمان الشامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1195