الصومال… تطورات جديدة تُمهد للمرحلة اللاحقة
كنان دويعر كنان دويعر

الصومال… تطورات جديدة تُمهد للمرحلة اللاحقة

تشهد منطقة القرن الأفريقي تطورات متسارعة، والتدخلات الإقليمية والدولية تزيد تعقيدات المنطقة وتشابك الملفات فيما بينها، بالإضافة إلى أهمية المنطقة دولياً، وسعي الدول إلى حجز موطئ قدم لها في هذه المنطقة المهمة، من بين الملفات الساخنة في الفترة الأخيرة، التوتر المتصاعد بين الصومال وإثيوبيا.

وسط هذه التطورات، تلعب مصر وتركيا دوراً محورياً في المنطقة، لكل منهما استراتيجياته الخاصة. وفي هذا السياق، تُعد شحنة المعدات العسكرية التي أرسلتها مصر إلى الصومال نقطة تحول هامة تعكس تغيّر موازين القوى والتحالفات في المنطقة.

موقف مصر: تعزيز الحضور الإقليمي

مصر التي تربطها بالصومال علاقات تاريخية، تسعى إلى تعزيز حضورها الإقليمي من خلال تقديم دعم عسكري واقتصادي لمقديشو. أرسلت القاهرة شحنة كبيرة من المعدات العسكرية إلى الصومال، وهي خطوة تُفسر على أنها محاولة لتعزيز قوة الجيش الصومالي في مواجهة التحديات الأمنية، وخاصة تهديدات «حركة الشباب» الإرهابية. هذا الدعم العسكري لم يكن مفاجئاً، فقد سبق لمصر أن ساهمت في تدريب القوات الصومالية، وتقديم مساعدات طبية وإنسانية، وهو ما يعكس رغبتها في الحفاظ على وحدة الأراضي الصومالية واستقرارها. كما تحمل هذه الخطوة بعداً استراتيجياً ضمن الصراع المصري الإثيوبي، والذي تفاقم على إثر أزمة سد النهضة والصراع على مياه النيل. حيث تُعارض مصر بشدة مساعي إثيوبيا للاعتراف باستقلال إقليم «أرض الصومال»، وهو إقليم انفصالي يسعى للاستقلال عن الصومال منذ عام 1991.
وقد تعززت هذه المعارضة بعد توقيع إثيوبيا اتفاقاً بحرياً مع الإقليم يمنحها حق استخدام 20 كيلومتراً من ساحله على خليج عدن، مقابل اعترافها باستقلاله. ترى القاهرة في هذا الاتفاق تهديداً مباشراً لمصالحها في المنطقة.

إثيوبيا: استغلال الفراغ السياسي

من جانبها، تسعى إثيوبيا لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، عبر شراكات اقتصادية وسياسية مع الأطراف المختلفة، ومن بينها «أرض الصومال». وقد استفادت إثيوبيا من انهيار الدولة في الصومال في تسعينيات القرن الماضي لتوسيع نفوذها، مستغلة ضعف النظام المركزي الصومالي. تُعد القوات الإثيوبية اليوم أحد أهم مكونات بعثة «أتميس» الأفريقية لحفظ السلام في الصومال، مما يعكس تداخل المصالح الإثيوبية في الصومال وأهمية استقرار الأخير بالنسبة لأديس أبابا.
غير أن إثيوبيا تواجه انتقادات واسعة بسبب تدخلاتها في الشؤون الصومالية ودعمها لانفصال «أرض الصومال»، حيث قامت مؤخراً بتعيين سفيرٍ لها في الإقليم، وهو ما أدى إلى تدهور علاقاتها مع مقديشو، التي ردت بطرد السفير الإثيوبي، وتهديد بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في البلاد.

تركيا: دور الوسيط واللاعب الاقتصادي

في ظل هذا الصراع الإقليمي، تلعب تركيا دوراً مزدوجاً، كوسيط بين الصومال وإثيوبيا، ولاعب اقتصادي مهم في المنطقة. حيث تتمتع بعلاقات وثيقة مع الطرفين، تسعى إلى إيجاد توازن بين تعزيز حضورها في القرن الأفريقي، وتحقيق مصالحها الاستراتيجية. وقد برز الدور التركي في الصومال منذ عام 2011، حيث أصبحت تركيا من أكبر الداعمين للمعونات الإنسانية في الصومال، وأقامت قاعدة عسكرية كبيرة في مقديشو لتدريب القوات المسلحة الصومالية.
وتقود تركيا مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، حيث عقدت الجولة الثانية من المفاوضات منتصف شهر آب / أغسطس الفائت، ورغم أن الجولة انتهت دون اتفاقٍ، إلا أن وزير الخارجية التركي حقان فيدان صرح بأن عدد القضايا التي تمت مناقشتها في الجولة الثانية من المحادثات قد زاد بشكل ملحوظ مقارنة بالجولة الأولى، وأصبح هناك الآن «تقارب حول بعض المبادئ الرئيسية». بالإضافة إلى تصريح الطرفين عن رغبتهما في الاستمرار بالمفاوضات، وعلى إثر ذلك، بدأت الأنباء تشير إلى موعد أوليٍّ للجولة الثالثة في 17 أيلول الحالي.
كما دخلت تركيا على خط الوساطة بين مقديشو وإقليم «أرض الصومال»، في محاولة لإصلاح العلاقات بين الجانبين. وفي هذا السياق، تتماشى السياسة التركية مع استراتيجيتها في أفريقيا، التي تقوم على بناء شراكات متنوعة مع مختلف دول القارة. يُضاف إلى ذلك، أن تركيا تسعى أيضاً لتعزيز مصالحها الاقتصادية عبر التنقيب عن النفط والغاز في السواحل الصومالية، وهو مشروع سيستغرق ما بين 3 إلى 5 سنوات، حيث صرح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، أن سفينة الأبحاث «الريّس عروج» التركية ستتوجه إلى الصومال برفقة سفن الدعم في نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل لبدء التنقيب.
ما يجري في الصومال ومجمل القرن الأفريقي ما هو إلا تحضير لمرحلة قادمة، وعلى هذا الأساس تتحرك الدول المختلفة للتأثير في مجرى الأحداث الحالي، أملاً في امتلاك دور مؤثر مع التطورات القادمة المتوقعة، وخصوصاً أن القرن الأفريقي- وكما هو واضح في الآونة الأخيرة- هو واحد من أهم بوابات المنطقة الاستراتيجية، ويضاف إلى مصر أن المنطقة هي ضمن النطاق الحيوي المصري، وهي بالضرورة واحدة من الملفات الحساسة التي تواجهها القاهرة، وسيتضح في الفترة القادمة إن كانت القوى الفاعلة- وتحديداً مصر وتركيا- قادرتين على التنسيق والتفاهم فيما بينهما، والأهم من ذلك، هو قدرتهما على تأريض أي من الخلافات التي يمكن تزيد من حالة عدم الاستقرار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 23:07