دول «الساحل الأفريقي» تدافع عن استقلالها وسط التحولات الإقليمية
كنان دويعر كنان دويعر

دول «الساحل الأفريقي» تدافع عن استقلالها وسط التحولات الإقليمية

تشهد منطقة الساحل وغرب أفريقيا تحولات جيوسياسية معقدة، حيث تصر دول مثل مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو على حقها في الدفاع عن استقلالها ووحدة أراضيها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. هذه الدول تواجه صراعات متعددة الجوانب تشمل التهديدات الإرهابية، والتدخلات الأجنبية، والتوترات الدبلوماسية، لكنها تظهر عزماً واضحاً في الحفاظ على سيادتها وبناء مستقبلٍ مستقرٍ ومستقل.

في هذا المقال، سنسلط الضوء على مجموعة من الأحداث الجارية في هذه المنطقة التي تحمل وزناً هاماً في التغييرات الإقليمية، ولكن الطريق إلى التغيير معقد ومتعرج، ويتطلب قدرة عالية على إدارة المعركة وتنويع وسائل الدفاع والهجوم لتحقيق الأهداف.

احتجاجات نيجيريا: تعقيدات قبلية وسياسية

في نيجيريا، تعكس الاحتجاجات الحالية تعقيدات اجتماعية وسياسية تتجاوز المطالب الاقتصادية. تتداخل العوامل القبلية مع المصالح السياسية، ما يزيد من حدة الصراع الذي أسفر عن سقوط 13 قتيلاً حتى 8 آب الجاري، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.
دعا الرئيس بولا أحمد تينوبو إلى وقف المظاهرات، وخلق مساحة للحوار، معتبراً أن صوت المحتجين قد وصل. الاحتجاجات الحالية تعتبر استمراراً وامتداداً لاحتجاجات عام 2020، التي اشتعلت بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، ورفع الدعم عن البنزين وارتفاع التضخم، خاصة في أسعار المواد الغذائية. يعاني المواطنون من انقطاع الكهرباء، رغم أن نيجيريا دولة مصدرة للنفط، والأهم من ذلك، أن الاحتجاجات مستمرة وتتطور، وبدأت بالفعل ترفع شعارات سياسية إلى جانب المطالب الاقتصادية.

مالي: التوترات مع الجزائر ودور أزواد

تواجه مالي تحديات معقدة في شمال البلاد، حيث تتمركز حركة أزواد الانفصالية، التي تطالب بالحكم الذاتي لمنطقة أزواد. على الرغم من الجهود المستمرة لتحقيق السلام، لا تزال التوترات قائمة بين الحكومة المالية وحركة أزواد، كما تنشط في المنطقة جماعات إرهابية، مثل: القاعدة التي شنت عدة هجمات على الجيش المالي. هذه التطورات دفعت العلاقات الجزائرية المالية إلى الواجهة، خاصة بعد إعلان المجلس العسكري في مالي الانسحاب من اتفاق الجزائر لعام 2015 الخاص بالسلام مع الانفصاليين.
الجزائر، تعتبر استقرار شمال مالي جزءاً من أمنها القومي، ودائماً ما أكدت على وحدة أراضي دولة مالي، ورفضت الاعتراف بدولة أزواد عام 2012. النشاط المتزايد للمجموعات الانفصالية جنوب الجزائر يبدو مرتبطاً بمحاولات جهات خارجية لتوتير المنطقة، مما يفرض على الدول المعنية التعاون لضبط الحدود، وإيجاد صيغة عملية لتوطيد الاستقرار والسلام. إضافة إلى ذلك، يتم تسليط الضوء على مشروع خط الأنابيب الذي سيربط الجزائر مع النيجر ونيجيريا، والذي من شأنه تعزيز التعاون الإقليمي، وخلق فرص اقتصادية هائلة، مما يدفع عجلة التنمية ويعزز الاستقرار.

كيف تبني مالي علاقاتها الخارجية؟

في مواجهة هذه التحديات، سعت مالي لتعزيز علاقاتها مع دول أخرى، مثل: تركيا، وقدمت أنقرة دعماً عسكرياً ملموساً لمالي، شمل توفير المعدات والتدريب للجيش المالي، مما ساعد في تعزيز قدراته في مواجهة التهديدات الإرهابية وحفظ الأمن الداخلي. هذا التعاون يعكس تحولاً استراتيجياً في سياسات مالي الخارجية، حيث تسعى لبناء تحالفات جديدة تعزز سيادتها واستقرارها.
من جهة ثانية، وفي خطوة تعكس تمسك مالي بسيادتها، قررت الحكومة قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا ومن ثم مع السويد، حيث اتهمت أوكرانيا بالتدخل في شؤونها الداخلية، ودعم الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة. خاصة بعد أن تداول ناشطون فيديوهات تظهر أحد قادة الفصائل المتطرفة الاوكرانية يقود مجموعة من المسلحين شمالي مالي، هذا التطور الذي يحتاج إلى بحث وتدقيق عن الأسباب والدوافع في انتقال مسلحين أوكران من أوكرانيا التي تشهد معارك، والتي أعلنت التعبئة العامة، حيث تقوم دوريات الشرطة العسكرية بإلقاء القبض على جميع الشبان ضمن سن التكليف، وإرسالهم إلى الجبهة، كيف يمكن التفريط بمقاتلين مدربين للقتال في دولة بعيدة جداً، رغم التعقيد، فهذا يؤكد على وحدة ساحات العالمية رغم انفصالها، فهي منفصلة ومتصلة في آن واحد، وتؤثر على بعضها البعض، وتستخدم الأطراف في هذا الصراع قوى محددة ذات طبيعة خاصة.

النيجر وبوركينا فاسو: الاستقلال عن التأثيرات الأجنبية

النيجر وبوركينا فاسو، اللتان تشاركان مالي في مواجهة التهديدات الإرهابية وتحديات الاستقرار، تسعيان أيضاً إلى الحفاظ على استقلالهما وتجنب التدخلات الأجنبية. في هذا السياق، برز مشروع خط الأنابيب الذي يربط النيجر مع الجزائر كخطوة استراتيجية لتعزيز التعاون الإقليمي، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية. هذا المشروع يساهم في تقليل الاعتماد على القوى الأجنبية وتعزيز السيادة الوطنية. إضافة إلى ذلك، تُظهر النيجر وبوركينا فاسو إصراراً على بناء قدراتهما الذاتية في مواجهة التحديات الأمنية، بدلاً من الاعتماد على المساعدات العسكرية الأجنبية التي قد تأتي مع شروط تؤثر على استقلالهما.

تشكل التحديات الأمنية والسياسية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا اختباراً حقيقياً لاستقلال وسيادة دول، مثل: مالي، النيجر، وبوركينا فاسو. من خلال تعزيز علاقاتها مع دول تدعم مصالحها الوطنية، ورفض التدخلات الأجنبية التي تهدد وحدتها، تظهر هذه الدول عزماً في الحفاظ على سيادتها وبناء مستقبل مستقل ومستقر لشعوبها، ويتضح بشكل تدريجي أن التحول في سياسة هذه البلدان يأخذ شكلاً متسارعاً، ولا ينحصر في ميدان واحد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1187