الصومال إلى واجهة القرن الإفريقي مجدداً
تتصدر الصومال في الآونة الأخيرة الواجهة في القرن الإفريقي، فالبلد الذي يتمتع بموقع استراتيجي فريد، فضلاً عن ثروات نفطية مهمة، يتحول ليكون محور اهتمام من دول في الإقليم وخارجه، ويبدو النشاط المصري والتركي في هذا الخصوص مسألة أساسية في فهم التطورات اللاحقة وخارطة التوازنات في ظل تزايد التوترات العسكرية.
تتسبب العمليات العسكرية التي تشنّها الحكومة الصومالية بدعم من القوات محليّة في تزايد الخسائر ضمن صفوف حركة الشباب، التي تأسست عام 2004 وتتبنى فكر تنظيم القاعدة. في إحدى العمليات الأخيرة، قُتل تسعة من عناصر الحركة وتمت مصادرة معدات، هذه العملية جاءت بعد أيام قليلة من عملية أخرى قُتل فيها أكثر من 100 عنصر من مسلحي حركة الشباب بإقليم جوبا السفلى، في عملية مشتركة بين الجيش الصومالي وقوات دراويش جوبا لاند.
الاهتمام الدولي بالصومال
تزايد الاهتمام الدولي بالصومال لم يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل شمل أيضاً الجانب الاقتصادي. تشير تقديرات الحكومة الأمريكية إلى أن الصومال يمتلك احتياطيات لا تقل عن 30 مليار برميل من النفط والغاز. تطوير هذه الموارد سيتطلب وقتاً واستثماراتٍ كبيرة، مع بدء الحفر في مربعات بحرية محددة خلال المرحلة القادمة، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام الدولي بمنطقة القرن الإفريقي بشكل عام، لغناه بالموارد الطبيعية وأهميته الاستراتيجية، وخاصة إطلالته على مضيق باب المندب، وتميز سواحله بإمكانية استثمارها كموانئ ذات موقع استراتيجي مهم. هذه المنطقة تتداخل فيها مجموعة كبيرة من مصالح الدول، ورغم الوزن المرتفع النسبي لأثيوبيا سياسياً واقتصادياً، إلا أن دول المنطقة تحاول من خلال تنوع علاقاتها الدولية، إيجاد صيغة تفاهم وتوازن تحقق مصالح دول القرن الأفريقي، وتضمن الاستقرار الإقليمي.
العلاقات التركية الصومالية
لعبت تركيا دوراً محورياً في دعم استقرار النظام السياسي في الصومال. إذ أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلباً إلى البرلمان التركي للحصول على إذنٍ بنشر قوات على سواحل الصومال لمدة عامين، لدعم الأنشطة الرامية إلى «ضمان أمن الصومال ضد الإرهاب» والتهديدات الأخرى. هذا الطلب يأتي بعد افتتاح تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في مقديشو عام 2017، والتي توفر التدريب للقوات المسلحة والشرطة الصومالية.
كما ترغب تركيا في لعب دور الوساطة بين إثيوبيا والصومال، حيث تصاعدت التوترات بين البلدين بعد توقيع اتفاق «إيجار» بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي، يمنح الأولى حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي الإقليم لمدة 50 عاماً تشمل استثمار ميناء بربرة، وإمكانية إنشاء قاعدة عسكرية بحرية على هذه السواحل. هذا الاتفاق أثار اعتراض الحكومة الصومالية، حيث ألغى الرئيس حسن شيخ محمود الاتفاقية البحرية مع إثيوبيا، معتبراً إياها «غير قانونية»، لذلك استضافت تركيا محادثات ثلاثية في أنقرة، ضمت وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الإثيوبي تاي أتسكي سيلاسي والصومالي أحمد معلم فقي. المحادثات كانت صريحة وودية وتم التوصل إلى بيان مشترك يضع أساساً لحل الخلافات بين البلدين.
مصر حاضرة أيضاً
أعلنت الحكومة الصومالية يوم السبت 21 تموز الجاري المصادقة على اتفاقية دفاعية مع مصر، جرى توقيعها في كانون الثاني الماضي، والتي يفترض أن تقدم مصر في ظلها دعماً للقوات الصومالية في حربها مع الجماعات المسلحة الانفصالية، وتأتي هذه الخطوة كتأكيد جديد على الأهمية الاستراتيجية للصومال بالنسبة لدور الجوار وتحديداً مصر، التي تدرك أن موقع الصومال وإشرافها على مضيق باب المندب يضعها بشكل مباشر في دائرة اهتمام الأمن الوطني المصري، هذا فضلاً عن أن التواجد المصري يرتبط حتماً بالتوترات التي تشهدها العلاقة المصرية الإثيوبية.
في السياق ذاته، كان لمصر موقف واضح بخصوص اتفاقية «إيجار» حيث أصدرت الخارجية المصرية بياناً طالبت فيه بضرورة احترام وحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية، وضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
الوضع في الصومال معقد، وتتداخل فيه الأبعاد الأمنية والاقتصادية والإقليمية والدولية. فالحضور التركي المتزايد في الصومال يعتبر جزءاً من استراتيجية شاملة تتضمن تدريب القوات الصومالية ودعم الاقتصاد المحلي. في الوقت نفسه، تصاعد التوترات الإقليمية يتطلب دبلوماسية حذرة لضمان استقرار المنطقة، وتجنب تصعيد الصراعات، ففي حين ينظر إلى الدورين التركي والمصري كنوع من التنافس إلا أنّ هذه الأدوار يمكن أن تتحول إلى نوع من التكامل في ظل التطور في العلاقات المصرية التركية، بالنسبة لأنقرة تظهر العلاقات مع بلد استراتيجي غني بالثروات النفطية مثل الصومال، مسألة حيوية ولا يعني هذا بالضرورة الصدام مع مصر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1185