الهند وقضاياها الشائكة.. ما الذي يُثير شهوة الأعداء؟
قضايا شائكة ومتعدّدة يمكن أن يلاحظها المتابع للوضع الهندي وتطوّراته خلال الشهور الأخيرة، منها ما يرتبط بالانتخابات البرلمانية والصراع في الداخل الهندي، ومنها ما يرتبط بملفات الخارج والمعركة العالميّة الجارية.
نعرض عبر هذا المقال قضيّتين فقط من جملة هذه القضايا، نسبر من خلالهما الدوافع والأهداف، ونحاول الوصول إلى نتائج.
«الثروة للدخلاء»
بعد أيّام من انطلاق الانتخابات البرلمانية العامّة في الهند، أدلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتصريحات أثارت الجدل داخل الأوساط السياسية والمجتمع في الهند، حيث اعتبر تصريح مودي- حول معارضيه بأنهم بحال تولّوا السلطة، سيوزعون ثروات الشعب على «الدخلاء»- تصريحاً «معادياً للإسلام والمسلمين». وممّا جاء على لسان مودي: حزب المؤتمر المعارض يريد توزيع الثروة على «أولئك الذين لديهم كثيرٌ من الأطفال»، الكلام الذي اعتُبر أنه إشارة إلى المسلمين في الهند.
«نيجار» مجدّداً
بموازاة ذلك، تصاعد التوتر الدبلوماسي بين كندا والهند مؤخراً على خلفية مقتل، الزعيم الانفصالي السيخي البارز هارديب سينغ نيجار في كندا. قُتل نيجار بالرصاص في حزيران/يونيو 2023 أمام المعبد الذي يديره. وهو عضو في حركة «خالستان» التي تسعى لإقامة دولة سيخية مستقلة في منطقة البنجاب الهندية، وتعتبره الحكومة الهندية إرهابيّاً.
ويأتي هذا التوتر في سياق تاريخ طويل من الصراع حول حركة «خالستان» التي بدأت في الثمانينات، وشهدت أعمال عنف كبيرة ومواجهات دامية بين الانفصاليين السيخ والقوات الهندية. ورغم تراجع الحركة داخل الهند، إلّا أن الدعم لها ما يزال موجوداً بين بعض أفراد الجالية السيخية في الخارج، خاصة في كندا، حيث يعيش عدد كبير من السيخ.
تحديّات كبرى.. وتضليل!
هذان المعطيان، كلام مودي، والتوتر مع كندا، هما مؤشران على وجود تحديّات كبيرة تعيشها الهند في هذه الأيّام. من ناحية، فإنّ كلام مودي بمضامينه هذه هو مؤشر على ما يجري العمل عليه من تأجيج للنزعات الطائفية في المجتمع الهندي، الذي يشكل المسلمون 14% منه، أي حوالي 200 مليون نسمة، مع كل ما يحمله هذا من خطورة في بلد مثل الهند.
وهنا، ليس من الصعب الاستنتاج، أن المقصد من وراء تصريحات تخص توزيع الثروة وربطها بفئة محددة من الهنود، أي المسلمين، هو إثارة الغضب لدى الفئات الأخرى من المجتمع ضدّ هذه الفئة بالضبط. وبهذا، عوضاً عن أن يكون الحديث هو أن الثروة للشعب بكل فئاته، ومعركة الشعب الهندي هي مع ناهبيه، تصبح المعركة هي بين هذه الفئات ويجري حرف الأنظار عن مسألة توزيع الثروة كلّها.
من ناحية أخرى، فإنّ عودة قضية نيجار إلى الواجهة من جديد، تحمل إشارات إلى وجود دوافع محددة لإثارتها في هذه اللحظة التي تعيش فيها الهند أياماً مفصلية وتحديّات كبرى، وربما ستكون مقبلة عبرها إلى تغيرات كبرى بسياساتها. يبدو أن هذا بالتحديد ما يثير شهوة أعداء الهند وشعبها، لتحريك الملفات الشائكة في الداخل والخارج معاً، وبآن واحد، لتشكيل ضغط عالٍ مؤثر يدفع الأمور بعيداً عن سياقها الصحيح، الذي من المفترض أن تسير عليه. وقضيّة ذات بعد قومي، مثل قضيّة نيجار تفي بالغرض لما تنتجه من تحريض قومي.
لا يغيب عنّا، أن تفتيت الهند أو دفعها نحو توتر داخلي كبير من شأنه أن يوجّه ضربة كبيرة لمنطقة استراتيجية ويهدد الاستقرار فيها، من هنا يظهر أن أحداثاً كهذه سوف تتحول لتكون جزءاً من المشهد العام في الفترة القادمة، وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور الأمريكي والضغط الذي تمارسه واشنطن على الهند.
للهند كلمة كبيرة
ستحمل النتيجة النهائية للانتخابات البرلمانية الهندية مؤشرات جديدة لتوازن القوى داخل الهند، فهي تجري بظلّ تغيرات عالمية كبرى ضاغطة، ولا تسمح بمجال كبير للمناورة. وستكون نيودلهي ما بعدها أمام خيارات حقيقية وجذرية على مستوى العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
ويبدو واضحاً، أن مصلحة الهند اليوم تتقاطع مع مصالح الصين وروسيا وبقية دول الجنوب والعالم الثالث، في التخلّص من نظام القطب الواحد وهيمنته، ومصلحة الشعب الهندي هي بتخلّص بلاده من كل أشكال التبعية والهيمنة الغربية، خصوصاً بعدما اتضح أن الغرب وعلى رأسه أمريكا يتراجع في الميزان الدولي، وأن للهند كلمة كبيرة تُحدث فرقاً كبيراً في هذا الميزان إذا ما أرادت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1175