إعاقة التقارب الفلسطيني- الفلسطيني هدف أمريكي واضح

إعاقة التقارب الفلسطيني- الفلسطيني هدف أمريكي واضح

انطلقت معركة جديدة من التصريحات والردود المتبادلة بين الفصائل الفلسطينية، وذلك بعد إعلان رئيس السلطة تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل الحكومة، الخطوة وبالرغم من أنها متوقعة إلّا أنّها وتّرت الأجواء بعد الأمل بتثبيت توافقات صدرت عن اجتماع موسكو الأخير، الذي ضم عدداً كبيراً من الفصائل، وحظي بدعم سياسي كبير من الخارجية الروسية.

أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الخميس 14 من شهر آذار الجاري، تكليف مستشاره الاقتصادي، محمد مصطفى بتشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد مرور ثلاثة أسابيع على استقالة رئيس الوزراء السابق محمد اشتية، ومن المفترض أن تشمل الحكومة الجديدة مجموعة من الوزراء «المستقلّين» ليكون القرار بتشكيل «حكومة تكنوقراط» دون تمثيل مباشر للفصائل.
والمثير للانتباه في قرار عباس، أن المهام التي كَلّفَ بها رئيس الوزراء الجديد نصّت على «تنسيق جهود إعمار غزّة وإعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية» بالإضافة إلى «التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في كافة المحافظات الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة».

في مستويات فهم هذه الخطوة

قبل عرض ردود الأفعال على خطوة «السلطة الفلسطينية» ينبغي الوقوف قليلاً أمام أساس هذه الفكرة وكيف تطورت في الأسابيع الماضية، إذ يبدو واضحاً أن قرار عباس هذا ينسجم بشكل ملموس وواضح مع الهدف الأمريكي الذي جرى تسويقه على أساس «خطة اليوم الأول بعد الحرب» فالموقف الأمريكي كان يتمحور حول جملة من الأفكار، أبرزها ضرورة إنهاء حكم «حماس» في القطاع وإعادة الأخير لسلطة رام الله، مع الحديث عن «ضرورة إجراء إصلاحات وتغييرات في بنية السلطة الفلسطينية الحالية» وهو ما يفسر أن تكليف عباس تطرق إلى ضرورة «مكافحة الفساد» مع الإشارات الواضحة إلى أن مهام «حكومة التكنوقراط» المزمعة تشمل إدارة القطاع وإعادة إعماره.
كل هذه المؤشرات وغيرها تؤكد أن تكليف محمد مصطفى كان جزءاً من المشروع الأمريكي، لكن ذلك يطرح أسئلة أكثر مما يقدّم إجابات، فما هو الهدف الأمريكي من الخطوة هذه؟ وهل تعوّل الإدارة في واشنطن فعلاً على إعادة إحياء السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي؟ أم أن الهدف أشمل مما يجري تداوله؟!

نموذج السلطة المشوّه ملائم لواشنطن

بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية تؤمن أن السلطة الفلسطينية قادرة على أداء دور في المرحلة القادمة، إذ كانت واشنطن قادرة على التأثير في مجمل القرارات السياسية لهذه السلطة، ورأت فيها بديلاً مقبولاً عن أي نموذج آخر، وتحديداً النموذج الذي تطور في قطاع غزّة.
أما بالنسبة للكيان، فكان موقف حكومة نتنياهو شديد التطرف في هذه المسألة، إذ عدّ الأخير أن نموذج السلطة الفلسطينية وبالرغم من كل «المرونة» التي أبدتها في التعامل مع الاحتلال والتي وصلت حدّ التنسيق الأمني والتضيق على الفلسطينيين بتوجيهات من الكيان، إلاّ أنّها ظلّت غير ملائمة لمرحلة ما بعد الحرب بالنسبة لحكومة نتنياهو. ومع ذلك جاء القرار الأخير بوصفه خطوة أمريكية بهدف ترتيب الأجواء بالشكل الذي أرادته واشنطن.

معنى أعمق وأخطر!

نجحت الخارجية الروسية وبعد جهود حثيثة من تحقيق اختراق جزئي في ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبدا ذلك واضحاً في البيان الصادر عن الفصائل التي اجتمعت في موسكو في أواخر شهر شباط الماضي وأوائل آذار الجاري. وهنا جاءت خطوة محمود عباس لتشكّل محاولة لاستفزاز الفصائل الأخرى، إذ اعتبرت مجموعة منها في بيان رداً على تكليف مصطفى، أن الخطوة تعتبر في غير أوانها، وأشارت أيضاً في بيانها إلى أنَّ: «اتخاذ هذه القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون دون توافق وطني هي تعزيز لسياسة التفّرد، وتعميق للانقسام، في لحظة تاريخيّة فارقة، أحوج ما يكون فيها شعبنا وقضيته الوطنية إلى التوافق والوحدة».
البيان المشار إليه والصادر عن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية دفع حركة فتح لإصدار رد في بيانٍ منفصل، ما أظهر حجم الفجوة في الآراء وحجم الخلاف السياسي بين فصائل أساسية في الشارع الفلسطيني.
لتصدر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً جديداً حول الموضوع في 17 آذار الجاري، قالت فيه: إنَّ «جذر الخلاف في الساحة الفلسطينية يعود إلى بنية منظمة التحرير الفلسطينية وواقع مؤسساتها الحالي وبرنامجها السياسي» وأشارت أيضاً إلى أنَّ «المعركة تتطلب الارتقاء إلى أفضل صيغ العمل الوطني الموحد».

ذلك كله يؤكد مجدداً أن اللحظة التي اختارتها واشنطن للدفع في هذا الاتجاه بدت بالنسبة لها ملائمة لضرب بوادر التوافق الفلسطيني- الفلسطيني، الذي يعني فيما يعنيه إنهاء الانشقاق وسحب ذريعة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة لتعطيل حل القضية الفلسطينية، ويبدو للوهلة الأولى أن الهدف تحقق فعلًا بدليل موجات الهجوم المتبادل بين الفصائل الذي من المرجّح أن يزداد مع تشكيل الحكومة فعلاً. لكن إذا ما نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى لظهرت الصورة بشكل مختلف. فوحدة الفصائل لا تتناقض مع عملية فرز كبرى جارية داخل صفوف الشعب الفلسطيني، تجري فيها إعادة تقييم للدور السياسي الذي تؤديه هذه الفصائل دون استثناء، وإن كانت واشنطن عبر هذه الخطوة استطاعت تعكير الأجواء، إلاّ أنّها مدّت عملية الفرز الجارية بوقود إضافي سيضعف مواقف كل القوى السياسية المرتبطة بالولايات المتحدة، وتحديداً بعد دورها الإجرامي في دعم الكيان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1166
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 23:04