مَن يُعرقل وقف إطلاق النار في غّزة؟

مَن يُعرقل وقف إطلاق النار في غّزة؟

بالرغْم من أن الحديث عن صفقة ما تلوح في الأفق يبقى حاضراً حتى اللحظة، إلا أنَّ إشارات فشل اتفاق كهذا تتزايد، والجدير بالملاحظة هو أن الولايات المتحدة تبدو مضطرةً لإنجاز هذا الهدف، لا رأفة بأرواح الفلسطينيين، بل أملاً في استعادة زمام مبادرة تفقدها بشكلٍ متسارع.

كان واضحاً منذ الأيام الأولى لبدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة أن الولايات المتحدة تسعى لإطالة أمد الصراع، لكن بشرط التحكم بحجم العمليات الحربية بحيث لا تشكل عبئاً إضافياً على ترسانة الأسلحة الغربية، لكن سير الأحداث يتطور باتجاه مخالف تماماً، وباتت واشنطن مضطرة للتعامل مع متغيرات يومية تهدد استراتيجيتها في المنطقة.

كلمات حول الاتفاق

لم تتمكن الولايات المتحدة بعد كل جولات المفاوضات السابقة من الوصول إلى وقف لإطلاق النار أو هدنة مؤقتة. وبالرغم من توجيه انتقادات أمريكية لموقف حكومة نتنياهو المتشدد، إلا أنّ اتهامات كثيرة تتجه إلى المقاومة الفلسطينية في مسعىً لتحميلها مسؤولية فشل هذه المفاوضات، ما بات يشكل حالة من الإرباك، فتبدو الصورة كما لو أن المقاومة غير آبهة بالكارثة التي نزلت فوق رؤوس الفلسطينيين في غزة وبقية الأراضي المحتلة وتضع «شروطاً تعجيزية» لإنجاز الصفقة، وهو ما تحاول وسائل إعلام غربية كثيرة تسويقه للرأي العام.
لكن ما ينبغي عدم إغفاله هو أن ما يجري تداوله حول هذه المفاوضات يثبّت أن ما تطلب المقاومة انتزاعه هو مكاسب حقيقية للشعب الفلسطيني وقطاع غزة، وليست شروطاً غير مبرّرة، وخصوصاً أن الحرب الأخيرة ليست حرب الكيان الأولى ضد المدنيين العزل في غزّة، بل هي واحدة من جولات عدّة استهدف فيها جيش الاحتلال كامل تراب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى هذا يتطلب عقد أي اتفاق مع الكيان درجة عالية من الضمانات كي لا تتحول الخسائر الفلسطينية الأخيرة إلى حلقة جديدة في دائرة مفرغة.
لا يمكن النظر لمحاولات تحميل المقاومة المسؤولية تعثر المفاوضات إلا بوصفها محاولة جديدة للضغط على الفلسطينيين، ويبدو أن أهدافاً عدّة تكمن وراء هذه المحاولات. ويمكن أن تتضح الصورة أكثر إذا استعرضنا بعضاً منها:

أولاً: لقاء موسكو للفصائل الفلسطينية

استطاع الكيان أن يستثمر حالة الانقسام الفلسطيني بشتى الطرق، بل كان هذا الاستثمار أداة أساسية في إعاقة حل القضية الفلسطينية، وربما كان المثال الأبرز على ذلك هو محاولات حصر تمثيل الشعب الفلسطيني بهياكل سياسية كتلك التي نتجت عن اتفاق أوسلو، وكان الشقاق الفلسطيني وغياب تمثيل قوى سياسية أساسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية عاملاً لا ينبغي إهماله عند الحديث حول المحاولات «الإسرائيلية» والأمريكية في إعاقة حل القضية، فمنظمة التحرير تتمتع حتى اللحظة بصفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بنظر المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولم تنعكس التغيرات الكبيرة التي شهدها المشهد السياسي الفلسطيني كما ينبغي داخل هذه المنظمة، وأصبح من الممكن اليوم بالنسبة للولايات المتحدة أن توقف أي مساعي للحل بحجة غياب موقف فلسطيني واحد، فالطرف الجاهز للجلوس إلى طاولة المفاوضات ليس الممثل الفعلي للفلسطينيين، ولا يملك في يده أياً من أوراق القوة، بينما تغيب في الوقت نفسه قوى سياسية أساسية عن منظمة التحرير.
ما جرى في موسكو مؤخراً أعطى أملاً حقيقياً في إمكانية تجاوز هذه المسألة، والمشكلة الكبرى بالنسبة للكيان والولايات المتحدة أن المحاولات الروسية كانت قد بدأت قبل سنوات، لكن الظرف الذي نعيشه اليوم بات يساعد في إنضاج حل هذه المسألة، وبذلك يمكن القول: إن «إسرائيل» والولايات المتحدة تأملان أن تنجح المحاولات في تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية عرقلة المفاوضات الأخيرة، ما يمكن أن يعرقل التقاربات الجديدة بين الفصائل، ويقلل - حسب ما تأملان - من وزن المقاومة المسلحة في الشارع الفلسطيني، ومن جهة ثانية يبدو الوصول إلى تهدئة أصبح أكثر إلحاحاً، إذ ليس من الصعب الاستنتاج أن السلوك الأمريكي والصهيوني خلال الأشهر الماضية كان عاملاً مساعداً على تقريب وجهات النظر بين الفصائل، ما يعني أن استمرار الوضع الحالي لفترة أطول يمكن أن يزيد من سرعة هذه العملية.

ثانياً: واشنطن قد تخسر دورها الوسيط

المسعى الروسي لإنجاز المصالحة لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه لأخذ زمام المبادرة في الملف الفلسطيني، فلا تستطيع أي من القوى السياسية الفلسطينية القول بأن واشنطن قادرة على أداء دور الوسيط المحايد في هذا الصراع، وهو ما يفتح المجال إلى إعادة النظر في هذه المسألة، وخصوصاً مع توفر البدائل، ومن هنا تكتسب الصفقة التي تحاول واشنطن إنجازها ميزة إضافية، وهي أنها قادرة على تقديم واشنطن إلى الرأي العام المحلي والعالمي بوصفها لاعباً أساسياً ومؤثراً في هذا الملف، وتحاول الإدارة الأمريكية تدعيم هذا الموقف بتكرار وعودها الفارغة حول «تمسّكها بقيام الدولة الفلسطينية» بل ويسعى الأمريكيون لتصوير أنفسهم راعين للسلام بالحديث عن مساعٍ لإيصال مساعدات إنسانية إلى لقطاع

معلومات إضافية

العدد رقم:
1165