قضايا الشرق ... جائزة «إسرائيل» الكبرى!
حمل عام 2020 موجة عارمة من التشاؤم إثر الحديث عن احتمال توقيع اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين دول عربية والكيان الصهيوني، ورغم أن دور النظام العربي كان دائماً أقل من طموحات شعوب المنطقة، إلا أن احتمالية تكرار مشاهد المصافحة بين الصهاينة والمسؤولين العرب كانت دائماً ثقيلة الوقعِ.
لم تمض إلا شهور قليلة حتى استضافت ساحة البيت الأبيض في آب 2020 توقيع «إعلان اتفاقات أبراهام» بين الكيان والإمارات والبحرين، وأعادت الصور المنشورة إلى الأذهان تلك اللحظة التي وقّع فيها الرئيس المصري السادات على اتفاقية كامب ديفيد 1979، بل يبدو أن الإدارة الأمريكية حرصت وقتها على تقديم الحدث بوصفه امتداداً لما جرى أواخر سبعينيات القرن الماضي، حتى أنها اختارت المكان ذاته للتوقيع، ولأن «التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة كمأساة، وأخرى كمهزلة» لم يكن للاتفاقات «الأبراهمية» المشؤومة الأثر ذاته! ففي حين كانت «كامب ديفيد» نقطة تحّول حقيقية أخرجت مصر من المعادلة، وصفّرت وزنها الإقليمي تدريجياً وأزاحتها عن نطاق التأثير الفعّال في القضية الفلسطينية، لم تحقق «أبراهام» أي نتائج استراتيجية ملموسة حتى بعد أن دخلت دول عربية أخرى في مفاوضات مشابهة.
شغلت محدودية الأثر هذه كثيراً من المحللين السياسيين الأمريكيين والصهاينة، الذين اقتنعوا أن التهليل المرافق لـ«أبراهام» كان أكبر من حجمه، وأدركوا أن «كامب ديفيد جديدة» تتطلب شروطاً مختلفة، وأن غياب دولة بوزن السعودية عن هذه الاتفاقيات أدى دوراً حاسماً في تأريض هذا المسعى. فإن كانت «كامب ديفيد» هدفت إلى شق الصف العربي، وإبعاد مصر عن المعادلة، فإن «أبراهام» كانت تهدف لبناء تحالف بقيادة واشنطن يضم الكيان والدول العربية الأساسية، ليشكلوا معاً جبهة واحدة في مواجهة إيران، لكن غياب السعودية أفقد المحاولة الأمريكية عنصراً حاسماً في نجاحها.
المثير للانتباه، أن المفاوضات كانت جارية فعلاً بين الرياض وواشنطن بهدف الوصول إلى اتفاق مع الكيان، ورغم التأكيد المستمر في التصريحات «الإسرائيلية» والأمريكية أنها تحرز تقدّماً، إلا أنّها لم تتحول إلى واقع، ومنذ بدء الهجوم الإجرامي لقوات الاحتلال على القطاع علّقت الرياض تلك المفاوضات، وأعلنت وزارة الخارجية في 7 شباط الجاري أن شرطها الأساسي للوصول إلى اتفاق من هذا النوع يقتضي: «الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية» ووقف العدوان وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع.
يبدو أن نتائج 1979 على مصر تحوّلت إلى رادع حقيقي للدول العربية، وفرض التراجع الأمريكي والانسحاب المتسارع من الشرق الأوسط نفسه، في حسابات الدول الأساسية في المنطقة، التي لم ترَ أن تقديم تنازلات بهذا الحجم يتماشى مع مصالحها، بل ربما تضطر مصر لمراجعة «كامب ديفيد» في المستقبل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1161