«أنت المشكلة!» أصابع واشنطن نحو نتنياهو

«أنت المشكلة!» أصابع واشنطن نحو نتنياهو

أحاديث كثيرة تشير إلى تعاظم الخلافات بين الولايات المتحدة و»إسرائيل»، وتزداد في الوقت ذاته المؤشرات على اتساع الشرخ داخل الكيان نفسه، وتحديداً في حكومة الحرب والبنى السياسية الأخرى، فهناك في واشنطن قرارات صعبة تتخذ، وفي تل أبيب أصوات تنادي بتحميل مسؤولية الفشل الحالي للحكومة، والذهاب إلى انتخابات جديدة!

بالرغم من أن الخلافات بدأت مع اليوم الأول للحرب التي شنّها جيش الاحتلال، إلا أنها تأخذ أبعاداً جديدة مع كلّ يوم، ويبدو في الأيام الماضية أن عاصفة إعلامية تشق طريقها في وسائل إعلام أمريكية بارزة كانت دائماً ناطقة باسم قوى مؤثرة داخل واشنطن، وتقابلها صُحف مشابهة داخل الكيان.

يمكننا- من خلال استعراض الأفكار الواردة في بعض هذه المقالات- فهم الصورة بشكلٍ أفضل، إذ يبدو أن الأوضاع المعقدة التي يواجهها الكيان وواشنطن من خلفه باتت تتطلب خطوات وأدواتٍ جديدة، ما يعني ضمناً إعلان عجز الأدوات السابقة عن إنجاز المهام المطلوبة بالنسبة لهم، ويمكن القول: إنه مع كل ساعة ويوم يزداد العبء على واشنطن، وتحمل فوق مشاكلها خسائر سياسية بالجملة.

الخلافات فوق الطاولة مجدداً!

أعلن البيت الأبيض في بيانٍ له، أن الرئيس جو بايدن أجرى اتصالاً مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يوم السبت 20 كانون الثاني، حيث أكد الرئيس حسب البيان على «قناعته القوية بإمكانية تطبيق حل الدولتين، وأنه (أي بايدن) يرى أن الحل على المدى الطويل هو إقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة»، وأعقب الاتصال، تصريحات له قال فيها: إن «رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يعارض جميع الحلول القائمة على وجود دولتين»، معتبراً أن «الأمر ليس مستحيلاً بوجود نتنياهو في السلطة» لكن بايدن أشار في الوقت نفسه إلى أن «بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ليس لها قوات مسلحة» ويقصد طرح «الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح».

وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي قد نفى أن يكون الاتصال قد جاء بسبب تصريحات نتنياهو يوم الخميس 18 من الشهر ذاته، التي أعلن فيها مجدداً رفضه قيام الدولة الفلسطينية، إذ قال في مؤتمر صحفي عقده في تل أبيب، أن «تحتاج «إسرائيل» في أي ترتيب مستقبلي إلى السيطرة الأمنية على جميع الأراضي الواقعة غرب الأردن، وهذا يتعارض مع فكرة السيادة الفلسطينية» واعتبر أن اشتعال الصراع الجاري لا يرد إلى «غياب الدول الفلسطينية، بل يرتبط ببقاء دولة، وهي الدولة اليهودية». لكن لم تمض ساعات قصيرة على بيان البيت الأبيض، حتى سارع ديوان رئاسة الوزراء الصهيوني في نفي قبول نتنياهو بالمقترح الأمريكي، وقال في بيانه المضاد الصادر يوم السبت، أنه يصر على «الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على غزة» وهو ما لاقى صدىً سلبياً في واشنطن.

رسائل تنقلها المؤسسات الإعلامية

أفاد تقرير للأسوشيتد برس، أن مسؤولين أمريكيين يشعرون بأن إحباط بايدن من نتنياهو بات أكثر وضوحاً بعد المكالمة الأخيرة، وأشارت إلى أن «مجموعة من أعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل يدقون ناقوس الخطر بشأن فقدان الثقة في نتنياهو» وهو ما حاولت «إن بي سي» قوله أيضاً، إذ نقلت عن عضو جمهوري قوله: إنه لا يعتقد أن «نتنياهو سينجو». أما يديعوت أحرنوت، نشرت بدورها أن «صبر الرئيس الأمريكي بدأ ينفذ» وأفادت، أن مسؤولين أمريكيين ينصحون بايدن «بالتعبير العلني عن عدم ثقته به».

كل ذلك يؤكد مجدداً على أن الخلاف موجود ويشتد مع كل ساعة، فمن جهة تكرر الأكاذيب، مثل: «إن واشنطن تتمسك بقيام الدولة الفلسطينية» أو «إن بايدن وإدارته قلقون على أرواح المدنيين في فلسطين»، في الوقت الذي يدرك الجميع، أن الدافع وراء تكرار كل ذلك هو إخفاء مجموعة من المسائل، ربما يكون أوّلها، أن هناك قناعة في واشنطن تتوسع في أن مدّة صلاحية نتنياهو قد انتهت فعلاً، وأن سلوك الحكومة الحالية وما تمثّله داخل الكيان بات يشكّل تهديداً حقيقياً على مصالح الولايات المتحدة، فالتصريحات المتكررة للحكومة الصهيونية حول رفض قيام الدولة، تعني قبل كل شيء تحدٍ علني لواشنطن، ومحاولة للخروج عن الدور الوظيفي المرسوم للكيان، وهو ما لا يمكن لواشنطن أن تقبله، وخصوصاً، أنها تملك وسائل حاسمة في فرض أجندتها. عبر إسقاط الحكومة الحالية كخطوة أولى، وهو ربما يفسر وصول أصوات من داخل الكيان للتعبير على صفحات «نيويورك تايمز» أن عدداً من القادة العسكريين في جيش الاحتلال باتوا يعتقدون أن «استعادة المحتجزين في القطاع لا يمكن إنجازه إلا عبر الوسائل الدبلوماسية»، وأن «الشكوك تتزايد في أوساط القيادة العسكرية العليا بشأن إمكانية القضاء على حماس». وهو ما دفع المتحدث باسم جيش الاحتلال للقول: إن «التصريحات التي نقلتها الصحيفة عن مسؤولين عسكريين لا تعبر عن موقف الجيش» وخصوصاً، أنها تعارض توجّه الحكومة الحالية، والأخطر من ذلك أنها تعطي إشارات أن واشنطن ربما تعوّل على «قيادة أخرى».

«في واشنطن» و «في تل أبيب»

كنتيجة لكل ذلك، تكثر في الآونة الأخيرة «البيانات والعرائض» التي يجري نشرها والتوقيع عليها، من قبل سياسيين وعسكريين في واشنطن وتل أبيب، إذ أصدر 16 عضواً يهودياً بمجلس النواب الأميركي- ينتمون جميعهم للحزب الديموقراطي- بياناً، انتقدوا فيه نتنياهو وتصريحاته، والأخطر، كانت عريضة وقّع عليها 170 مسؤولاً أمنياً من القادة السابقين لجهاز المخابرات «الموساد» وجهاز الأمن العام «الشاباك» والجيش والشرطة، وأطلقوا على أنفسهم اسم «منتدى الجدار الواقي لإسرائيل» الذين حمّلوا مسؤولية الفشل الحالي للحكومة، واعتبروا أن إدارة هذا الملف بعد مرور 100 يوم أثبتت فشلها، ولذلك لا بد من خطوات جدّية، والتي عبّرت عنها العريضة بالقول: إن «الوقت قد حان لاختيار القيادة التي تنال ثقة الشعب» في دعوة واضحة لانتخابات جديدة وتغيير الحكومة الحالية.

الأصوات المتزايدة في داخل واشنطن لإدارة الأزمة بشكلٍ مختلف، تنطلق أولاً من حجم الإخفاق الحالي، ومن آثاره حتى على المدى القصير، فخسارة الولايات المتحدة المحتملة لدورها الأساسي في إدارة ملفات الشرق الأوسط ،وتحديداً ملف القضية الفلسطينية، لن تكون خسارة سهلة، فهذا الدور كان مولّداً أساسياً للتوتر الكبير الذي تعيشه منطقتنا، والذي تحتاج واشنطن للمحافظة عليه لأطول وقتٍ ممكن، وكان يضمن لواشنطن التأثير على الكثير من القضايا الأساسية التي تلعب منطقتنا دوراً كبيراً فيها، هذا بالإضافة إلى أن حكومة الحرب الصهيونية لم تستطع حتى الآن وباعتراف عدد من عسكرييهم أن تحقق أي إنجاز يمكن البناء عليه، ما يضع المغامرة الأمريكية في موقع أصعب. فما يجري تسريبه إلى وسائل الإعلام حول «أن بايدن قد لا يستطيع التعامل مع نتنياهو أكثر» يعني بشكل مباشر أن بايدن مع من يمثله داخل الإدارة الأمريكية لم يعودوا قادرين أن يدافعوا عن استراتيجيتهم أكثر من ذلك ويبدؤون بالتمهيد لتحولات كبيرة فيها، ويحاولون تحميل المسؤولية لشخص نتنياهو، متجاهلين أنه يعبّر في هذه اللحظة عن تيار سياسي داخل الكيان، ومتجاهلين أيضاً أن «الضرر حدث بالفعل» ولم يعد بالإمكان التراجع دون خسائر كبيرة، فإلى جانب ارتدادات ذلك إلى الداخل الأمريكي في لحظة دقيقة وعلى مشارف الانتخابات الخطرة، ستكون محاولة واشنطن المفترضة أن تسقط حكومة نتنياهو عامل ضغط هائل على الصراع السياسي القديم الكامن داخل «إسرائيل» ما يمكن أن يؤدي إلى انفجار عنيف لا يمكن احتواؤه.45

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158
آخر تعديل على الثلاثاء, 23 كانون2/يناير 2024 17:44