من فلسطين إلى العراق: الوجود العسكري الأمريكي يجب أن ينتهي
أدت هجمات المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول، والحرب التي شنها الكيان الصهيوني على غزة لاحقاً وحتى الآن، إلى تداعيات في المنطقة ككل، من جملتها إعادة طرح مسألة وجود القوات العسكرية الأمريكية في العراق، حيث أدت أحداث غزة إلى استئناف استهداف القواعد الأمريكية من قبل فصائل المقاومة العراقية بوتيرة عالية، وإلى تحرك حكومي يحاول كسب المزيد من الوقت.
أكثر من 100 استهداف منذ 7 أكتوبر
تعرضت القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في العراق وشمال شرق سورية إلى 130 استهدافاً منذ 17 تشرين الأول، وفقاً لما أعلنه الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» باتريك رايدر في الـ 11 من الشهر الجاري قائلاً: «بلغ إجمالي الهجمات حتى اليوم 130 هجمة، القواعد العسكرية الأمريكية في العراق تعرضت لـ 53 هجوماً [...] وفي سورية لـ 77 هجوماً».
ومنذ ذلك الإعلان، استهدفت فصائل المقاومة العراقية قاعدة أمريكية في حقل كونيكو بريف دير الزور في الـ 12 من الشهر الجاري، وفي اليوم التالي استهدفت قاعدة خراب الجير شمال شرقي سورية، كما استهدفت قاعدتين في حقل العمر والقرية الخضراء شمال شرقي سورية، وقاعدة مطار أربيل في العراق، وفي 18 من الشهر الجاري استهدفت قاعدتين عسكريتين في العراق وسورية، وخلال هذه الفترة شنت المقاومة العراقية هجمات بصواريخ بالستية على الكيان الصهيوني.
تحركات عراقية رسمية تجاه الوجود الأمريكي
تأتي التحركات الجديدة لفصائل المقاومة العراقية كصدى لتطورات الأحداث في غزة من جهة، ورداً على الاعتداءات الأمريكية داخل العراق نفسه من جهة أخرى، ولتؤدي هذه الأمور بمجموعها إلى تحرّك سياسي وحكومي داخل العراق لإنهاء مهام التحالف الدولي لمحاربة داعش في البلاد، ومنه إنهاء الوجود العسكري الأجنبي داخلها، حيث أكدت الحكومة العراقية التزامها بسحب الدول الأجنبية لقواتها من البلاد، وفي 16 من الشهر الجاري أعلن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التقى مع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان على هامش مشاركتهم في منتدى دافوس، وبحثا صياغة جدول زمني لإنهاء مهام التحالف الدولي في العراق، ما قد يكون محاولة حكومية لكسب الوقت ومحاولة احتواء الموجة القدمة.
وجاء في بيان المكتب الإعلامي «اللقاء شهد التأكيد على بدء أعمال اللجنة الثنائية الخاصة بمراجعة تواجد التحالف الدولي في العراق، الذي جرى الاتفاق بشأنه خلال زيارة وزير الدفاع إلى الولايات المتحدة الأمريكية في شهر آب من العام الماضي، والبحث في صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية شاملة مع دول التحالف».
العراق المحروم من استقلاله
يعيش العراق تحت ضغط وتأثير الصراع الدولي والإقليمي، إذ تحوّلت أراضيه لساحة صراع خلال عقودٍ مضت، لكن البعض يحاول تصوير التطورات الأخيرة هناك بوصفها نتيجة طبيعية للنفوذ الإيراني، متجاهلين في الوقت نفسه، أن العراق والشعب العراقي لعب دائماً دوراً أساسياً في قضية فلسطين، وكان لمقاتليه، دورٌ مباشر في المواجهات العسكرية السابقة مع الكيان، وبالتالي، لا يمكن القول أن الاستجابة الحالية، والضربات التي توجّه إلى القواعد الأمريكية ترد إلى الدور الإيراني، فبالرغم من أن طهران تسهم بشكل كبير في تسليح هذه القوات لكنّها ليست التفسير الوحيد لها.
الوجود الأمريكي في العراق مركز رئيسي
مِثل هذا السياق يعزز مدى اعتبار التواجد العسكري في العراق أساسياً بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يُبقي على العراق بحالة احتلال وابتزاز، ويُبقي المنطقة بحالة توتر خدمة للمصلحة الأمريكية، ويفرض حسابات تكتيكية واستراتيجية لقوى المقاومة من جهة ولإيران من جهة أخرى، كما يفرض معادلات بالنسبة لروسيا، ويؤمن هذا الوجود حماية للكيان الصهيوني، ومنه امتداده واختراقه في العراق أيضاً، وعليه فإن الولايات المتحدة تسعى قدر المستطاع إلى إبقاء قواتها في العراق لأطول فترة ممكنة.
التطورات الجارية التي شهدتها الساحة الفلسطينية وما فرضته على عموم المنطقة، أعادت التذكير بالدور الخطير للقوات الأمريكية شمال شرق سورية، وفي العراق خصيصاً، ورغم أن كافة المؤشرات تفيد وتؤكد منذ سنين إلى أن هذه القوات ستخرج عاجلاً أم آجلاً، إلا أن التطورات الأخيرة تفيد باقتراب آجال هذا الخروج، ليس بسبب الحال الداخلي للعراق فقط، وإنما الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أيضاً، مروراً بالوضع الدولي عموماً وملفاته المختلفة، فالعراقيون يريدون إخراج هذه القوات سواء دبلوماسياً أو عسكرياً بالهجمات المباشرة، وفي الولايات المتحدة يُعبر أحد طرفي الانقسام وضوحاً بضرورة إعادة القوات المنتشرة في الخارج إلى البلاد، وتخفيض التكاليف العسكرية بهذا الجانب من جهة، ومن جهة أخرى فإن الظروف الموضوعية اقتصادياً وسياسياً تفرض على الولايات المتحدة هذه الانسحابات، التي بدأت خلال السنين القريبة الماضية من أفغانستان والعراق نفسه، وإعادة تموضع في منطقة الخليج وشرق أوروبا.
تداعيات الخروج
خروج القوات الأمريكية يعني عملياً بداية الحل في العراق، وإنهاء الهيمنة عليه وإنهاء نظام بريمر، فمنذ الاحتلال الأمريكي بات العراق ساحة للتدخلات الخارجية، حيّدت دور بلد أساسي في المنطقة، وغطى الوجود الأمريكي فيه على دور صهيوني استخباراتي قادر على التأثير على منطقة واسعة بالقرب من إيران، وعلى حدودها، ما يُشكل عاملاً خطيراً على الأمن الوطني لكل دول الإقليم. وعلى مستوى المنطقة، سيفتح خروج القوات الأمريكية الباب واسعاً أمام تغيير البنية السياسية الكاملة، وسيفرض تراجع كافة التيارات والقوى السياسية المحابية والموالية للغربيين عموماً، وعليه، فتح الباب أمام شعوب المنطقة لتحقيق استقلالها الفعلي على كافة المستويات، بدءاً من تنفيذ الحلول السياسية إما داخلياً إن أمكن كحالة العراق، أو استناداً لقرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة كمرجع أولي سواء في سورية أو فلسطين.
في الحالة العراقية، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى نشوء وتبلور قوى سياسية جديدة جامعة، تتجاوز حالة الانقسام التي صنعها وخلّفها الاحتلال الأمريكي ضمن ثالوث «شيعة – سنة - كرد» وقد أوضحت انتفاضة تشرين العراقية عملياً باحتجاجاتها وشعاراتها وهتافاتها منذ سنوات وجود رغبة شعبية عميقة بهذا الاتجاه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1158