الولايات المتحدة «تعصر» نفسها وحلفاءها لدعم أوكرانيا

الولايات المتحدة «تعصر» نفسها وحلفاءها لدعم أوكرانيا

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية قدر المستطاع إلى إطالة أمد النزاع في أوكرانيا إلى ما لا نهاية، وذلك على الرغم من تصاعد الأصوات المعارضة لذلك باطراد، من داخل البلاد أو من حلفائهم الأوروبيين، وباتت «تعصر» نفسها وحلفاءها لإمداد النظام الأوكراني بأي قطرة يمكن تزويده بها.

لا يزال النواب الجمهوريون في الكونغرس الأمريكي، مصرّين على عرقلة تخصيص 60 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا في ميزانية 2024، والأمر نفسه يجري مع معارضة المجر تمرير 50 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي، وذلك وسط تراجع اقتصادي وسياسي غربي عام، وتدنّي احتياطيات السلاح والذخيرة لدى كليهما.

دفع دول أخرى لمساعدة كييف

رغم ذلك، تصرّ إدارة بايدن على الضغط من أجل تمرير ما يمكن تمريره من المساعدات والدعم المالي والعسكري، لتعلن واشنطن في 12 كانون الأول عن اعتماد حزمة مساعدات بـ 200 مليون دولار، وفي 27 كانون الأول عن حزمة أخرى بـ 250 مليون دولار كمساعدات مالية وعسكرية متنوعة لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه تدفع الاتحاد الأوروبي للضغط على المجر، أو نحو إيجاد إمكانية لتجاوزها، لتمرير المليارات المخصصة لمساعدة كييف.

اليابان تزوّد أوكرانيا بمنظومات باتريوت بشكل موارد

لقد دخلت اليابان مؤخراً إلى خط الدعم لأوكرانيا بشكلٍ موارب، حيث أعلنت طوكيو أنها ستقوم بإرسال أنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما قامت بتغيير سياستها «السلمية» حول تصدير الأسلحة، والتي كانت تسمح بإرسال قطع أو مكوّنات المعدّات المرخصة في اليابان إلى الدولة التي قامت بمنح الترخيص، وفي هذه الحالة مثلاً: كان ترخيص تصنيع الباتريوت من الولايات المتحدة يتيح لها استيراد قطع أو مكوّنات محددة منها من اليابان، أما الآن وفقاً للسياسة الجديدة، فبات باستطاعة اليابان شحن البضائع تامّة الصنع، وفي هذه الحالة منظومة باتريوت كاملةً، وسرعان ما أعلنت الحكومة اليابانية أن إرسالها أنظمة باتريوت لواشنطن يهدف «لتعميق التحالف الأمريكي الياباني»، كما نوّهت إلى أن هذه المنظومات لا يمكن تواجدها واستخدامها سوى في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها بحاجة موافقة من اليابان من أجل توريدها لدولة ثالثة، علماً أن اليابان لا تزال تحظر توريد الأسلحة إلى بلدان في حالة الحرب.
لكن هذا الإجراء الياباني يعني أمراً واحداً، وهو منح حرية أكبر للولايات المتحدة لتصديرها منظومات باتريوت المصنّعة لديها بشكل أكبر، واستعاضتها بالمصنّعة يابانياً، دون قلق من نقص في أسلحتها، أي أن اليابان وبهذا الإجراء تقوم عملياً بتوريد أنظمة باتريوت إلى الحكومة الأوكرانية.

الدول الأوروبية ستورد إف-16 وتقوم بتدريب الأوكرانيين عليها

وافقت كل من هولندا والدنمارك والنرويج وبلجيكا منذ مدة على تزويد أوكرانيا بـ 42 مقاتلة من طراز إف-16، وذلك بعد سماح واشنطن بذلك، وسترسل هولندا الدفعة الأولى من 18 مقاتلة، علماً أن مواعيد التسليم في العام المقبل لم يجرِ تحديدها بعد، لكن وفي هذه الأثناء بدأ تدريب الطيارين الأوكرانيين عليها، حيث أنهوا التدريب الأوّلي في المملكة المتحدة، وانتقلوا ليكملوا تدريبهم في الدنمارك ورومانيا، والبعض منهم في ولاية أريزونا الأمريكية. ويحشد الإعلام الغربي آماله الآن على سلاح الجو الجديد بالنسبة للأوكرانيين، إلا أن موسكو لها رأي مغاير، حيث علّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أشهر على الأمر باختصار، إن إف-16 لن تحسّن من وضع القوات الأوكرانية على الأرض، ولكنها ستطيل من أمد النزاع الجاري.

كم أنققت الولايات المتحدة حتى الآن؟

نشرت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» تقريراً في الشهر الجاري حول المساعدات الأمريكية المقدمة لأوكرانيا، وجاء فيه: أن إدارة بايدن قدمت أكثر من 75 مليار دولار لكييف منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في شباط 2022، كمساعدات مالية وعسكرية و«إنسانية»، منها 44 مليار دولار كدعم عسكري، وهو رقم أكبر من مجموع الدول الأربع التالية في دعمها العسكري لأوكرانيا: ألمانيا والمملكة المتحدة والنرويج والدنمارك، وذلك وفقاً لمؤسسة Kiel للاقتصاد العالمي، كما ذكرت الصحيفة.
وجاء في التقرير: أن 40% من المساعدات الأمريكية كانت لأغراض غير عسكرية، اقتصادية وإنسانية وغيرها من أجل دعم حكومة كييف واستمرار وجودها واستقرارها قدر المستطاع، فمنذ شباط 2022 أرسلت الولايات المتحدة 26.4 مليار دولار كدعم مالي لأوكرانيا، تتضمن مساعدات مباشرة لحكومة كييف، و2.7 مليار دولار كدعم غذائي وصحي ومأوى للاجئين.
وخلال الفترة نفسها، قدم الاتحاد الأوروبي 79.1 مليار دولار، منها 2.6 مساعدات إنسانية من غذاء وصحة وغيرها، وذلك بصرف النظر عن استقبال الدول الأوروبية للاجئين الأوكرانيين ومساعدتهم داخل بلدانهم.
منذ بدء المعارك وحتى الآن، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها أسلحة إلى أوكرانيا تتضمن صواريخ «ستينغر- Stinger» المضادة للطائرات، وصواريخ «جافلين- Javelin» المضادة للدبابات، وأنظمة «هيمارس- HIMARS» للصواريخ المدفعية، وأنظمة الدفاع الجوي «باتريوت - Patriot»، وأنظمة الصواريخ بعيدة المدى «ATACMS» وأكثر من مليوني قذيفة مدفعية، فضلاً عن الطائرات بدون طيار، والأسلحة المتوسطة والخفيفة الأخرى، ومؤخراً وافقت واشنطن على إرسال «إف-16» ودبابات من طراز «آبرامز- Abrams».
ويذكر، أن المملكة المتحدة تزود أوكرانيا بدبابات من طراز «تشالنجر 2 - Challenger» وألمانيا وإسبانيا دبابات من طراز «ليوبارد 2 - Leopard» أيضاً، وترسل ألمانيا منظومات دفاع جوي من طراز «IRIS-T».

كم ستنفق بعد؟

رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تخصص بعد حزمة مساعدات أوكرانية في ميزانيتها إثر اعتراض الجمهوريين، تمكنت إدارة بايدن حتى الآن من: تمرير 450 مليون دولار كمساعدات، معظمها عبارة عن ذخيرة خلال شهر واحد– إذا ما استمرت الوتيرة نفسها دون تخصيص حزمة مساعدات في الميزانية، فذلك يعني أقل من 6 مليارات دولار خلال عام- ودفع بعضاً من الدول الأوروبية فرادى، واليابان، على تزويد أوكرانيا بالأسلحة عوضاً عنها، ويجري كل ذلك وسط أنباء وتحذيرات من نفاذ مخزونات الأسلحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، فضلاً عن أزماتهم الاقتصادية والسياسية داخلياً، التي تعد مسألة معيقة في تجديد هذه الترسانة.

مصير المفاوضات

أفادت موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، تلقيها إشارات أوروبية عبر قنوات عدّة حول بدء المفاوضات، إلا أن الطرف الرئيسي المعني بالتفاوض مع موسكو، الولايات المتحدة الامريكية، تعطي إشارات باتجاه معاكس على الدوام، نحو توسيع وإطالة أمد الصراع قدر الإمكان، فكل هذه الإجراءات الأخيرة من تخصيص المساعدات المالية، وتوريد الأسلحة، ودفع الحلفاء لتوريد الأسلحة عوضاً عنها، وتدريب القوات الأوكرانية، ومؤخراً الاتفاق مع فنلندا لاستخدام قواعدها العسكرية، فضلاً عن المواقف والتصريحات السياسية والدبلوماسية– خلف كل الكلام المعسول حول المفاوضات- تعني التصعيد واستمرار التصعيد حتى الرمق الأخير، وذلك بهدف وحيد: تأجيل إعلان الهزيمة قدر الإمكان، مع كل ما يرافقها من استحقاقات سياسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1155