فوضى الطرق البحرية كفرصة جديدة

فوضى الطرق البحرية كفرصة جديدة

تبدو اللحظة التاريخية التي يعيشها الكوكب لحظةً مفصلية على كل الأصعدة، إذ يتحول أي تطور في أي من الملفات السياسية إلى فرصة لدفع القضايا العالقة إلى الواجهة، فالقول بأن صراعاً ذا طابع عالمي يجري، وأن تنافساً شرساً يحصل بين أقطاب متعددة، يعني أن كل الميادين هي ساحة صراع، وأن إحراز النقاط في أي ميدان يزيد فرصة حسم المعركة النهائية.

عاد الحديث في الأيام الماضية بشكلٍ كبير حول طرق التجارة العالمية، وصار واضحاً أن أحداثاً بدت صدفاً سوف تتحول في ظل الظروف الدولية المتوترة إلى أحداث كثيفة ومتسارعة التواتر، وعلى هذا الأساس تُظهر دول العالم نزعة للتعامل مع احتمالية كهذه، وبالتالي إيجاد بدائل مناسبة مؤقتة أو دائمة.

إيفرغرين وما تلاها

منذ أشهر، تعرضت ناقلة حاويات إلى حادث نادر الحصول في قناة السويس، إذ جنحت لتغلق القناة وتعلق الناقلة عاجزة عن الاستمرار برحلتها، ومنعت بسبب تموضعها الناقلات الأخرى من المرور في القناة الضيقة، ما تحوّل إلى كارثة حقيقية بوجه التجارة العالمية، التي يمر حوالي 13% منها عبر قناة السويس. الحادثة وتأثيراتها الكثيرة دفعت بعض المحللين إلى استنتاجات تنفي صدفيتها، وتعتبرها مُدبّرة حتماً، وخصوصاً، بعد ما اتضحت التبعات الهائلة لها. بعيداً عن الغوص في هذه التفاصيل، وعرض الآراء والآراء المقابلة، يبدو أن نقاش المسألة من زاوية أوسع أصبح أكثر أهمية، فلحظة إغلاق القناة شكّلت دافعاً حقيقياً لنقاش ضرورة وجود خيارات متنوعة تعتمد عليها التجارة العالمية، وأعطت هذه الأفكار دفعة جديدة في صالح المشاريع القائمة لتطوير شبكات النقل البري، وتحديداً من الصين وإلى العالم، كون الأخيرة تعتبر الشريك التجاري الأهم لغالبية الدول العالمية. المسألة لا تقتصر على جوانب تجارية، بل تتحول إلى قضية سياسية أساسية، كونها ركناً من أركان الأمن الوطني للدول، الذي يعتمد لفهمه وتأمينه على التبادل التجاري للسلع الاستراتيجية.
ما جرى عرضه حتى الآن، يعتبر مهماً في فهم التطورات اللاحقة، وتحديداً تلك الحاصلة اليوم في سوق النقل البحري، وأثر ذلك على مجمل التجارة العالمية، التي تعتمد على البحر في 80% من حجمها الكلي. لكن ما يجري اليوم يبدو تطوراً ملحوظاً، إذ كانت الدول الصاعدة، مثل: الصين، تركّز بشكلٍ كبير على استثماراتها بطرق النقل البرية، وتتمتع في الوقت نفسه بمواقع متقدمة في النقل البحري، إذ كانت شركات صينية، مثل: COSCO وغيرها من الشركات العشر الأوائل، لكن المنافسة على المستوى العالمي حُسمت لصالح الشركات الغربية، مثل: شركة Maersk line الدنماركية وMSC السويسرية.
اليوم، بدأت الشركات الغربية بإصدار إعلانات خطيرة حول ضرورة إيقاف النقل البحري عبر قناة السويس، والانتقال إلى الشحن عبر رأس الرجاء الصالح، ما يمكن أن يرفع أجور النقل البحري بنسب تصل إلى 43% ويضيف 7 إلى 10 أيام على مدة الرحلة. إعلانات الشركات الغربية تحمل أيضاً حالة من عدم اليقين، إذا لا يجري تحديد مدة محددة، أو حلول دائمة للمشاكل المفترضة. يقول الرئيس التنفيذي لشركة هاباج لويد الألمانية مثلاً: إن المدة «ربما تتراوح حسب المأمول، بين أيام وأسابيع، ولكن بكل تأكيد ثمة سيناريوهات أيضاً نحتاج إلى أن نفكر فيها عندما يستغرق الأمر مدة أطول»، على هذا الأساس ليس من الصعب التنبؤ بأن حالة عدم اليقين هذه ليست مُطمئنة للتجارة العالمية، وتضر بالمنتجين والمستهلكين، وخصوصاً، القطاعات الحيوية، مثل: النفط، إذ تعتمد 3 من أصل أهم 7 نقاط لعبور النفط في العالم على قناة السويس، ومضيق باب المندب.
اللحظة التي سببت فوضى كبيرة في التجارة العالمية كانت فرصة مهمة للصين لزيادة حصة شركاتها من النقل البحري، إذ أعلنت شركة OOCL الصينية عن قطع علاقاتها التجارية مع الكيان الصهيوني، وعقدت فيما يبدو اتفاقات أو تفاهمات مع اليمن لتأمين شحناتها عبر البحر الأحمر، ما يمكن أن يسرع عملية عالمية جارية بالفعل للهيمنة على التجارة العالمية. كل ذلك يتيح إمكانية أكبر لتغيير القواعد التي فرضتها الولايات المتحدة في السابق، والتي صُممت بشكل خاص لضمان مصالحها على حساب الدول الأخرى.
الخطوات الطموحة التي تسعى لها دول كبرى، مثل: روسيا والصين والهند وغيرها، ترتبط بشكل أساسي بالسيطرة على كافة الميادين الممكنة، وانتزاعها من يد الغرب، لإدارتها بشروط جديدة أكثر ملائمة لمصالح الدول الصاعدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1154