أوكرانيا جبهة ساخنة و«المفاوضات» مخرج مُحتمل!
يبدو أن الغربيين يمهدون لهزيمتهم في أوكرانيا، فبدأت المساعدات المالية والعسكرية بالتقلّص، كما بات زخم الملف الأوكراني ينطفئ إعلامياً في بلدانهم، وتتزايد الإشارات الغربية لموسكو باستعدادهم للتفاوض، وكل ذلك يجري بعد أكثر من عامٍ ونصف من بدء المعركة وهجومٍ أوكراني- غربي مضاد منذ قرابة 6 أشهر لم يحصدوا شيئاً يذكر من خلاله.
لا تزال جبهات القتال مشتعلة في شرق وجنوب أوكرانيا، مع وجود تقارير عديدة تفيد بمحاولات الأوكرانيين تقليص استخدامهم لذخيرتهم قدر المستطاع، وسط تقلّص الإمدادات العسكرية والمالية لهم، وعدم معرفة متى، وما إن كان سيجري استئنافها أساساً، وباتت التغطية الإعلامية الغربية للصراع العسكري في الآونة الأخيرة ترتكز على هجمات الطائرات المسيّرة، ومن آخرها الهجمات التي قام بها الأوكرانيون تجاه القرم، والردّ الروسي على ذلك باستهداف كييف ونهر دنيبرو، بينما يستمر الوضع القتالي على الجبهات يسير عموماً لمصلحة روسيا، وكانت حصيلة الأسبوع الماضي التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الروسية مقتل أكثر من 3 آلاف جندي أوكراني، وتدمير119 مسيّرة ومروحية أوكرانية.
دعم أمريكي معلّق
سياسياً، لا تزال حزمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا معلّقة مع فشل الكونغرس الأمريكي في اعتماد المقترحات ومشاريع القرارات المقدمة له، ومن آخرها: طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن بالحصول على 61 مليار دولار كمساعدة إضافية لأوكرانيا، إلا أن الجمهوريين رفضوا الطلب، بينما يضغطون من أجل حماية حدود بلادهم الجنوبية، وذهبوا بعطلة نهاية العام، آخذين معهم المساعدات الأوكرانية «كرهينة» على حد وصف البعض، حتى 6 كانون الثاني المقبل.
وسواء استطاعت الإدارة الأمريكية تمرير حزمة المساعدة هذه، بعد استئناف الكونغرس لنشاطه بعد العطلة، أم لا، فإن الميل العام في الولايات المتحدة الأمريكية يمضي نحو العجز عن استمرار المساعدات والإمدادات لأوكرانيا موضوعياً، فضلاً عن أن العام المقبل سيشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مع إشارات كبيرة بعودة ترامب للترشح، وبحظوظ لا بأس بها، ليلتقي حينها العاملان الموضوعي والذاتي على إنهاء ملف النزاع في أوكرانيا بأقل الخسائر الممكنة، وذلك عبر عدم إضاعة المزيد من الوقت أساساً، فكل يوم يمضي يعني لاحقاً هزيمة أكبر لواشنطن، وموقعاً أفضل للتفاوض بالنسبة لموسكو.
الدعم الأوروبي معلّق أيضاً
لا يختلف الأمر كثيراً في الاتحاد الأوروبي، الذي فشل مؤخراً خلال قمته الأخيرة، عبر فيتو من رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، بتمرير قرار برنامج أوروبي لمساعدة أوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو، وأرجئت إلى العام المقبل، كما تأجلت المحادثات المتعلقة بعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي- والتي كان يطمح إليها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي- إلى وقتِ لاحق، وإلغاء زيارته لحضور القمة أساساً بعدما كان يتحضر لأجلها.
كما يتزايد التململ الأوروبي من الملف الأوكراني عموماً، وتتزايد الأصوات المعارضة لاستمرار دعم النظام الأوكراني، خاصة بعد فشل هجومه المضاد من تحقيق أي شيء يذكر طيلة الأشهر الماضية، رغم الزخم الإعلامي السابق له.
وعلى سبيل المثال لا الحصر: كان من أواخر هذه المؤشرات قول عضو البرلمان الأوروبي ميك والاس: «لا ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إنهاء الصراع، وتفاخر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ستولتنبرغ بأنهما استفزاه [...] ما الهدف من هذا؟ لتلبية المصالح الجيوسياسية الأمريكية؟ هذا جنون» مشيراً أن الأوروبيين أنفقوا المليارات، لكن ذلك لم يؤدِ سوى إلى تدمير أوكرانيا.
إشارات نحو التفاوض
مع توقف المساعدات الأمريكية والأوروبية، والمؤشرات العديدة التي تفيد بعدم عودتها اساساً، أو أن تعود شكلياً بأرقام ومعطيات هزيلة لحفظ ماء الوجه قليلاً، يقف النظام الاوكراني ضعيفاً وعاجزاً أمام موسكو، وإذا لم يتمكن الأوكرانيون من تحقيق أي خرق، أو أمر يذكر خلال هجومهم المضاد الكبير، بأكثر فترات الدعم الغربي العسكري والمالي والسياسي والإعلامي له، فكيف سيكون حاله الآن مع فشل هذا الهجوم وتوقف المساعدات والدعم الغربي؟
تتزايد الإشارات باستعداد الغربيين للتفاوض، ففي أوروبا، يتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبته بالمفاوضات، وكان من آخر تصريحاته «إذا كان بوتين يريد الحوار، ولديه مقترحات لتحقيق سلام طويل الأمد في أوكرانيا، فأنا مستعد للعمل الجاد» وفي الولايات المتحدة يجري وضوحاً التمهيد لإعلان متوقع لهزيمة أوكرانية عبر الإعلام، وتحميل القيادة الأوكرانية اللوم بذلك، عبر هجومها المضاد الفاشل، وفي موسكو يعلنون صراحة وصول إشارات رسمية من الغربيين للتفاوض، حيث صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البيلاروسي يوم الجمعة: «لقد أرسل زعماء بعض الدول الغربية مراراً إشارات لموسكو بمقترحات لعقد اجتماع لمناقشة القضية الأوكرانية والأمن الأوروبي [...] عدداً من القادة رفيعي المستوى، المعروفين جداً، من الدول الغربية، بمن فيهم زعيم غربي محدد، مشهور للغاية، أرسلوا عدة مرات إشارات من خلال 3 قنوات مختلفة، وقالوا: لماذا لا نلتقي ونتحدث عما يجب فعله بأوكرانيا والأمن الأوروبي»، واعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أن الولايات المتحدة تدرك بأن كييف غير قادرة على تحقيق النصر.
وبالتوازي مع ذلك، خفتت الأصوات المتعلقة بفتح «جبهة ثانية» ضد روسيا، والتي كانت التحليلات والتوقعات تدور حول تحضير بولندا بذلك، إلا أن عدم قدرة الغربيين على دعم أوكرانيا، يعني عملياً عدم قدرتهم على دعم أية جبهة كانت قديمة أو جديدة.
بالاستناد إلى المؤشرات السابقة، يبدو أن صوت التيار الداعم للدخول في مفاوضات يرتفع تدريجياً، في الوقت الذي يبدو زيلينسكي بوصفه ممثل عن التيار الآخر، بوصفه معيق لخطوة بهذا الاتجاه، ويمكن القول: إن الأشهر القليلة القادمة يمكن أن تحمل تغيرات جدية في هذا الملف، وخصوصاً إذا لجأت واشنطن فعلاً إلى خيار المفاوضات، وما يستوجبه ذلك من ضرورة إزاحة زيلينسكي، ومن يشبهه من الواجهة.
هزيمة بارتدادات لاحقة
منذ بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا في شباط 2022 أثبتت موسكو قدرتها العسكرية في مواجهة الجيوش المقابلة التي لم تكن قوات أوكرانيا قوامها الوحيد، بل كانت مدعومة بشكل كبير بمعظم جيوش الإتحاد الأوروبي، مع دعم عسكري كبير وغير مسبوق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وجرت خلال هذه المدة تحوّلات عديدة وكبرى في موازين القوى الدولية بغير صالح الغربيين، ولن يكون انتهاء النزاع الأوكراني بهزيمة الغربيين سوى منعطفاً هاماً باتجاه التسارع بانهيار الهيمنة والمنظومة الغربية ككل، وإعادة تشكيل المؤسسات التي جرى تأسيسها في تلك الفترة.
هزيمة بهذا الحجم لن تمر دون ارتدادات داخلية في داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وسيكون بقاء حلف شمال الأطلسي نفسه موضوعاً على طاولة البحث، خاصة، وأن العملية الحربية في أوكرانيا ترتبط بشكل أساسي بدور هذا الحلف وتوسعه، بما يهدد الأمن الروسي لصالح الهيمنة الأمريكية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153