كيف يُبنى العالم الجديد؟
عتاب منصور عتاب منصور

كيف يُبنى العالم الجديد؟

ربما لا يمر يوم إلا ونسمع تصريحاً من مسؤول كبير في روسيا، أو الصين، أو أي دولة أخرى من دول «بريكس» عن التغيرات الحتمية القادمة التي سيشهدها العالم، وبعد أن كان هذا الكلام عرضياً متقطعاً، أصبح اليوم مسألة متفقاً عليها، لكن في الوقت نفسه تبقى كثير من التغيرات الجارية غير محسوسة، ويصعب رصدها للمراقب العادي.

التبادل بالعملات المحلية

ربما يكون الاستغناء عن الدولار في التبادلات التجارية البينية بين دول مجموعة بريكس هو أحد أهم المؤشرات على حجم التغيرات التي تجري في العالم اليوم، فالاستغناء عن الدولار يعني بشكل مباشر، تقليل الطلب العالمي عليه، وبالتالي حرمان واشنطن من حصتها المحفوظة في كل عملية تبادل تجاري تجري، كون هذه العملية تجري باستخدام الدولار الأمريكي، ويعني أيضاً، تقليل فرصة واشنطن بشكل كبير في الضغط على الدول، وفرض عقوبات تجارية عليها، كون استخدام الدولار الأمريكي والبنية المصرفية الدولية المسيطر عليها من قبل واشنطن كان الضامن الأساسي لجدوى هذه العقوبات.
أعلنت منذ مدة قصيرة السعودية والصين عن اتفاقية للتبادل بالعملات المحلية، حملت نكهة خاصة، تحديداً لأنها لم تستثنِ المعاملات النفطية، ما رأى فيه البعض بمثابة إعلان عن بدء نهاية نظام البترودولار. وفي السياق نفسه، فسّر بعض المراقبين مرافقة رئيس المصرف المركزي للوفد الروسي الذي زار السعودية إشارة واضحة على أن البلدين يسعيان لزيادة تبادلهم بالعملات المحلية، وخصوصاً أنهم ينسقون بالفعل حول إمكانية تطوير بنية مصرفية بديلة عن تلك الخاضعة للهيمنة الغربية.

طرق التجارة وبدائلها

كانت طرق التجارة البحرية واحدة من أدوات الهيمنة الغربية، وتضطر معظم دول العالم اليوم لاستخدام هذه الطرق البحرية، بغض النظر إن كانت هذه الطريقة هي الأجدى للتبادل التجاري. وبدأ يتضح وتحديداً منذ الحرب في أوكرانيا أن الاعتماد على الطرق البحرية بهذا الشكل، يسمح بدرجة كبيرة للغرب وواشنطن بالضغط على الدول الأخرى وإعاقة تطورها، فالدور الذي لعبته شركات التأمين البحري في هذه المسألة مثلاً، كان له تأثير كبير جداً على روسيا وعلاقاتها التجارية الخارجية، ودفعها بشكل جدي للبحث عن بدائل أخرى، لكن هذه البدائل الأخرى تحتاج لتطوير أيضاً، وخصوصاً أن دول الجنوب عازمة على زيادة جحم التبادل التجاري البيني، ولكن البنية التحتية الضرورية لهذا التطوير المتوقع لا تزال قاصرة في كثير من المجالات. ومن هنا تبرز أهمية مشاريع، مثل: الحزام والطريق، الذي يهدف لخلق وتطوير بنية النقل البري بين هذه الدول، ولكنه في الوقت نفسه، هناك مشاريع أخرى لا تلقي وسائل الإعلام كثيراً من الضوء عليها، مثل: خط السكك الحديدية «الشمال- الجنوب».

ما هو خط «شمال- جنوب»

في أثناء زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الروسي، أن إيران وروسيا قد وصلتا بالفعل إلى مرحلة التنفيذ العملي لشبكة السكك الحديدية «شمال- جنوب». ويعتبر هذا المشروع أحد أجزاء مشروع ممر النقل الدولي «شمال- جنوب» أو المعروف باسم «INSTC» والذي يهدف إلى ربط روسيا وإيران مع الخليج العربي والهند وشمال أوروبا، والذي يعد مشروعاً استراتيجياً طموحاً، من شأنه أن يحضّر الأرضية اللازمة للتكامل بين دول الجنوب، وسيلعب دوراً كبيراً في تطوير العلاقات التجارية بين بلدان، مثل: روسيا وإيران الخاضعتان بالفعل للكثير من العقوبات الغربية. وسيسمح للبلدين بنقل جزء كبير من الطاقة ومشتقاتها التي يتم إنتاجها محلياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1152
آخر تعديل على الإثنين, 11 كانون1/ديسمبر 2023 16:18