تركيا وتصفير المشاكل الإقليمية: اليونان خطوة جديدة
في إطار سياسية «تصفير المشاكل» التي تتبعها تركيا في الإقليم، وبعد بدء تحسين علاقاتها أو تطويرها، مع عدد من دول الجوار والإقليم، مثل: إيران ومصر والإمارات والسعودية، حذت أنقرة الحذو نفسه تجاه اليونان مؤخراً، حيث زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثينا في الـ 7 من الشهر الجاري خلال اجتماع مجلس التعاون الأعلى بهدف تحسين العلاقات بين البلدين.
تدهورت العلاقات التركية اليونانية خلال العقد الماضي للعديد من الأسباب، تشكل عناوينها العريضة مسألة الهجرة غير الشرعية، والتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وجزر بحر إيجة، والتنافس على موارد الطاقة وغيرها، وكان هذا التدهور والخلافات بينهما تجري تغذيته أمريكياً، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها ووكلائها في أوروبا، بهدف توتير الأوضاع في الإقليم، أو بين البلدين، في محاولة منع أي تقارب بينهما، خاصة مع التوترات التي شهدتها العلاقات الأمريكية- التركية في السنوات الماضية.
وبعد عدة ملفات وخلافات مشابهة بين تركيا ومجموعة من الدول في المنطقة: أرمينيا، إيران، سورية، مصر، ليبيا، الإمارات، السعودية مثلاً، بدأت تركيا بالاتجاه نحو تصفير مشاكلها الثنائية مع جيرانها الإقليميين– وبوجود موقف مشابه لدى كلٍّ من هذه الدول– وكان من أهمها: مصر خلال الفترة السابقة، والآن اليونان، وتناقض هذه التحركات بمجموعها المصلحة الأمريكية المتمثلة بإعاقة أي تقارب، أو تعاون بين الدول، يتناقض مع نفوذها وهيمنتها دولياً.
الاتفاقات الموقعة
بهذا الإطار، زار أردوغان أثنيا يوم الخميس الماضي، ووقع البلدان أكثر من 12 اتفاقية تعاون في مجالات التجارة والطاقة والتعليم، حيث اتفق الجانبان على رفع التعاون والتبادل التجاري من 5 إلى 10 مليارات دولار، كما تم الإعلان عن خريطة مشاورات مستقبلية رفيعة المستوى بهدف تجنب الأزمات، وأن المشاكل المتعلقة بشرق البحر الأبيض المتوسط وجزيرة قبرص ينبغي حلها عبر الحوار المتبادل.
ووقع وزير التعليم التركي مع نظيره اليوناني اتفاقية زيادة التعاون لتعليم احترافي بين الوزارتين، ووقعت الشركة التركية لنقل الكهرباء «تيلاس» والإدارة المستقلة لنقل الطاقة الكهربائية في اليونان ADMHE مذكرة تفاهم لتطوير الربط الكهربائي بين البلدين، كما وقع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع وزير التمية اليوناني كوستاس سكريكاس مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والمعارف بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإعلاناً مشتركاً للتعاون بين الأمانة العامة اليونانية للبحث والابتكار، ومؤسسة البحث العلمي والتكنولوجي التركية، ووقع البلدان إعلاناً مشتركاً لتأسيس المجلس الاقتصادي والتجاري المشترك، وإعلاناً آخر يتعلق بالتعاون الجمركي، وغيرها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن منذ ما قبل زيارته، أن بلاده تعتزم توقيع إعلان علاقات الصداقة وحسن الجوار مع اليونان، وقال: «إن هذه النية المشتركة سيتم ذكرها بوضوح في إعلان علاقات الصداقة وحسن الجوار، الذي نأمل أن نوقعه في أثينا 7 ديسمبر» وتابع، إنه «لا يعتبر اليونان عدواً له [...] سواء كان الأمر يتعلق بقضايا بحر إيجة، أو بالمعركة المشتركة ضد الهجرة غير الشرعية، أو المشكلات الراهنة للأقلية التركية في اليونان، فلا توجد مشكلة لا يمكننا حلها من خلال الحوار القائم على حسن النية المتبادلة».
وعقب اجتماعه مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتشوتاكيس قال: «لا توجد بيننا مشاكل لا يمكن حلها» وأعلن ميتشوتاكيس، أن اليونان وتركيا وقعتا إعلاناً حول العلاقات الودية وحسن الجوار قائلاً: «الإعلان الذي وقعناه يحترم بالكامل الحقوق النابعة من سيادة كل دولة، ويؤكد علاقات الصداقة بيننا، ويحدد مبادئ ورؤية الحوار، ويظهر إمكانيات للتعاون على المستويين الإقليمي والدولي» مشيراً إلى أنه وحينما تسمح الظروف سيجري تقارب على صعيد ترسيم المنطقة الاقتصادية في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط، وأن هذه المسألة هي «الخلاف الوحيد الذي يمكن تقديمه للعدالة الدولية، اعتماداً على القانون الدولي والقانون البحري».
المسعى التركي
تتعدد التحليلات والتفسيرات للخطوة التركية اليونانية الأخيرة، إلا أن واحداً منها يقول بوجود سعي تركي لتحسين العلاقات التركية مع عموم الأوروبيين، واعتبار اليونان بوابة لذلك. في الوقت الذي كان الخلاف بين تركيا واليونان خاضعاً بشكلٍ دائم لمحاولات الضغط الأوروبية، التي لعبت في الواقع وفي عدة مناسبات دوراً في توتير الأجواء لا حلها، في تقاطع واضح مع أهداف واشنطن في هذا الخصوص، لكن من زاوية ثانية يبدو أن مسعى التقارب مع اليونان لا يختلف عن التقارب مع مصر أو الإمارات، أو غيرها، ولكن له معنى خاص وتحديداً أن درجة التوتر بين أثينا وأنقرة كانت في أعلى مستوياتها.
في الوقت الذي تسعى خلاله تركيا إلى تثبيت سياسية تصفير المشاكل الإقليمية، لتكون في موقع أكثر توازناً في مواجهة التحديات الأكبر والأوسع، أي الانتقال من الغرق في الخلافات الإقليمية داخلياً، نحو مواجهة الخلافات الدولية الأكثر أساسية: مع الاتحاد الأوروبي، والناتو، والولايات المتحدة الأمريكية، الذين باتت مصالحهم تتناقض مع المصلحة التركية أكثر فأكثر، ونرى انعكاسات ذلك داخل تركيا نفسها، ويعد الجانب الاقتصادي أحد أهم العوامل الموضحة للتوتر الداخلي التركي، حيث وصلت نسبة التضخم إلى 62%، كما توجد تحديات حقيقية فيما يتعلق بالطاقة، والتي يمكن حلها عبر تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بشكل مستقل مع جيرانها والدول الإقليمية والشرقية، بمعزل عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المأزومين.
مسألة الطاقة
داخلياً، تعد مسألة الطاقة تحدياً جدياً لأنقرة، وتجري حلحلتها بالاتفاقات الجديدة الموقعة مع مختلف الدول، بدءاً من روسيا وليس انتهاء بإطلاق المحادثات مع اليونان بخصوص موارد البحر المتوسط المتنازع عليها.
ففي الفترة السابقة ضمن هذا السياق، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون اتفاقيات ثنائية ومذكرات تفاهم بين البلدين، ومنها كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، أنه «تم توقيع اتفاقية تعاون بين وكالة الأنباء الجزائرية ووكالة الأناضول. ومذكرة تفاهم بين الوكالة الفضائية الجزائرية ووكالة الفضاء التركية للتعاون، في مجال استخدام علوم وتكنولوجيات الفضاء للأغراض السلمية، واتفاقية تعاون بين شركتي سوناطراك وبوتاش فيما يخص عقد وشراء الغاز الطبيعي المميع» وغيرها من الاتفاقيات، ومنها: تمديد اتفاقية استيراد تركيا للغاز الطبيعي بكمية 4.4 مليار متر مكعب سنوياً من الجزائر، ولمدة 3 سنوات.
مع روسيا، قال الرئيس فلاديمير بوتين خلال اعتماده لعدد من السفراء الأجانب لدى موسكو: إن «شراكة روسيا مع تركيا تقع على مستوى عالٍ، وترتكز على سنوات عديدة من الخبرة في التفاعل الفعال في مختلف المجالات، وكلا الجانبين مصممان على مواصلة تطوير العلاقات على مبادئ حسن الجوار والشراكة والمنفعة المتبادلة [...] أود أن أشير بشكل خاص إلى أن التعاون الروسي التركي في مجال الطاقة هو تعاون استراتيجي. تواصل «روسأتوم» بناء أول محطة نووية في تركيا «أكويو». وقد تم إقامة تعاون وثيق في قطاع الغاز في إطار تشغيل أنابيب «السيل الأزرق» و»السيل التركي». والعمل جار لإنشاء مركز لتوزيع الغاز في تركيا».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1152