ما هدف واشنطن من الهجوم الأوكراني المضاد؟

ما هدف واشنطن من الهجوم الأوكراني المضاد؟

بدأ الهجوم المضاد الأوكراني منذ قرابة أربعة أشهر حتى الآن، وجلّ ما حققه كان جملةً كبيرة من الخسائر المادية والمعنوية والسياسية والاقتصادية للقيادة الأوكرانية والغربيين من خلفها، في حين تقوم موسكو بالتحضير لمواجهة أوسع وأشمل مع الغربيين الذين يتمسكون بدفع من واشنطن بخيار التصعيد.

فشل الهجوم المضاد

بات فشل الهجوم المضاد الأوكراني عنواناً رئيسياً ومكرراً خلف ذرائع وحجج مختلفة بالإعلام الغربي نفسه، أو على لسان خبراء وقادة سياسيين غربيين. يحاول القادة السياسيون في الغرب تجنّب الحديث مباشرة قدر الإمكان عن نتائج الهجوم المضاد الأوكراني، إلّا أن الوقائع على الأرض لم يعد من الممكن تغطيتها، أو الالتفاف عليها، ليجري دفع محللين سياسيين أو عسكريين من الدرجة الثانية والثالثة إلى الواجهة للحديث عن هذا الفشل، من أواخرهم كان الضابط ماركوس ريزنر من النمسا، الذي اعتبر «كل الأمور تشير إلى أن الهجوم الأوكراني قد توقف [...] عامل الوقت يتغير بشكل غير مؤاتٍ بالنسبة لأوكرانيا، بسبب بداية موسم الأمطار وانتشار الوحول بشكل كبير مما يعيق حركة الآليات والمدرعات».
أما مجلة «الإيكونوميست» فقد نشرت مقالاً أبدت فيه تشكيكاً بإمكانية نجاح الهجوم الأوكراني خلال الخريف وجاء فيه «العشرات من المسؤولين الغربيين الذين استشارتهم مجلة الإيكونوميست يشككون في حدوث تقدم كبير قبل الشتاء».
كما نشرت صحيفة «فاينانشال تايمز» مقالاً يستند لعدة تصريحات أمريكية، يحمّل فشل الهجوم الأوكراني المضاد على القوات المسلحة الأوكرانية بتخليها عن التكتيكات والتقنيات والاستراتيجية الغربية بالصراع المسلح، وجاء فيه «بعض المسؤولين الأمريكيين اشتكوا بشكل خاص لوسائل الإعلام من أن القوات المسلحة الأوكرانية لم تكن قادرة على اتقان التكتيكات العسكرية الحديثة أثناء التدريب، والجمع بين المشاة الآلية والمدفعية والدفاع الجوي، ولم ترغب في المخاطرة».
وذكرت صحيفة «التلغراف» تقريراً يفيد ببروز مزاج عام سيئ في أوكرانيا، نتيجة الخسائر الكبيرة في الهجوم الأوكراني المضاد، الذي بدأ في 4 حزيران الماضي.
وتداولت وسائل إعلام غربية تحذير الضابط الأمريكي المتقاعد سكوت ريتر لنظام كييف، بأن انهيار الجيش الأوكراني أمر محتم، ومسألة وقت لا أكثر، قائلاً: «أوكرانيا تعاني من خسائر لا يمكن تعويضها. عاجلاً أم آجلاً سوف تنهار».
وقال أحد المحللين العسكريين الألمان فرانز ستيفان غادي: «العامل الحاسم لن يكون مرتبطاً بالطقس، بحسب ما يعتقده العديد من الخبراء، بل باستنزاف الأفراد واحتياطيات الأسلحة المتوافرة لدى القوات المسلحة الأوكرانية».
وفي تصريحات للرئيس الروسي خلال الجلسة العامة لمنتدى الشرق الاقتصادي الثامن، المنعقد في مدينة فلاديفوستوك بالشرق الأقصى الروسي، عرض أرقاماً لحجم الخسائر الأوكرانية، وأوضح بوتين: أن أوكرانيا خسرت أكثر من 71 ألف جندي منذ بدء الهجوم المضاد، وأضاف: إنهم خسروا نحو 5 آلاف قطعة من الأسلحة المختلفة، بينها 26 طائرة، وأكثر من 500 دبابة، كان من ضمنها 25 من طراز ليوبارد الألمانية، وأعلنت وزارة الدفاع في السياق ذاته عن تدمير خمس دبابات فرنسية «إيه أم أكس»، وواحدة من 14 دبابة تشالنجر-2 البريطانية، التي تعتبر من أحدث الأسلحة التي تسلمتها أوكرانيا.
وبرغم كل هذه الخسائر لم تستطع القوات الأوكرانية تحقيق أي نتائج ميدانية أو سياسية، واكتفت خلال الأشهر الأربعة الماضية بالسيطرة المؤقتة على بعض القرى، دون تحقيق اختراق فعلي في أي من خطوط الدفاع الروسية. وبات الجيش الأوكراني بأسوأ مراحله بشرياً ولوجستياً ومعنوياً، حيث خسر كافة قواته الرئيسية التي تم تدريبها من قبل الناتو منذ ما قبل بدء المعركة أساساً، ودمرت العديد من قواعده العسكرية الرئيسية، ولم يؤد الدعم الغربي كافة- والمقدم له من مال وسلاح متطور إلى- أي تحسن يذكر، بينما باتت السمة العامة محاولة فرار الأوكرانيين للخارج هرباً من الخدمة العسكرية، في الوقت الذي تجري به تعبئة عامة لا تؤدي لسدّ الفراغ الحاصل بأحسن أحوالها.

تصعيد أمريكي مستمر

على الرغم من ذلك، يستمر دفع الأوكرانيين نحو المذبحة، عبر التصعيد الأمريكي المتعمّد كخيار وحيد، ليجري توريد واستخدام أسلحة محرمة دولياً كالذخائر العنقودية، وبروز تقارير تفيد باستخدام اليورانيوم المنضب بأرض المعركة، كقوة بديلة تعوض عن الخسائر البشرية والمادية، وفي محاولة مستميتة لتحقيق أكبر قدر ممكن من التصعيد بغض النظر عن حجم الخسائر. وفي هذا السياق قال الرئيس الروسي وضوحاً: «الولايات المتحدة تفعل كل شيء من أجل مصالحها دون أي اعتبارات أخرى. يوفرون القنابل العنقودية وذخائر اليورانيوم المنضب ويضربون بعرض الحائط كل المبادئ»، وفي مناسبة أخرى أشار بوتين إلى أن التقارير القادمة من الميدان تشير إلى أن التكتيكات المتبعة تعطي انطباعاً بأن القيادة الأوكرانية «لا تهتم بشعبها على الإطلاق»، ومع ذلك لم يغير كل ذلك بالميل المتسارع نحو خسارة الأوكرانيين، وهي الحقيقة التي يدركها الغرب، ولا يوجد أي أوهام من أي نوع آخر، ومع ذلك تستمر المعركة.

ساحة معركة واحدة فقط

كانت أوكرانيا حتى اللحظة، الساحة الوحيدة للصراع العسكري المباشر بين الغرب بالوكالة وروسيا، لكن هذا لا ينفي احتمال انفجار جبهات جديدة، فالتقارير المستمرة القادمة من بولندا تشير إلى تحضيرات مستمرة تجري هناك، مثل: احتمال دخول القوات البولندية للمناطق الأوكرانية، والسيطرة على غرب أوكرانيا. وتشير الأنباء إلى أن واردات الأسلحة إلى وارسو تتزايد باستمرار، كان آخرها اتفاقاً بقيمة 10 مليارات دولار مع واشنطن لتوريد 486 منظومة دفاع من طراز «هايمارس» ويبدأ تسليم الدفعة الأولى منها في 2025.

استعداد روسي لمواجهة أشمل

خلال الفترة السابقة، أعلنت روسيا عن تعبئة عسكرية جديدة تشمل قرابة 700 ألف مقاتل روسي، علماً أن الموجود حالياً داخل أوكرانيا يقدر بـ 400 ألف جندي، وهو رقم يتفق عليه معظم المحللين العسكريين أنه ضخم وأكبر من اللازم أساساً فيما يتعلق بالمواجهة الحالية مع الأوكرانيين.
وبرزت العديد من التقارير التي تشير بأن موسكو تقوم بإنتاج أسلحة وذخائر أكبر بمعدل 7 أضعاف ما يقوم به الغربيون مجتمعين، من ضمنها، مثلاً: إنتاج مليوني قذيفة مدفعية بالعام الواحد و200 دبابة سنوياً، وكل ذلك بقيمة مالية أقل من الإنتاج الغربي الحالي، وبالرغم من العقوبات المفروضة على موسكو.
يتجاوز هذا التحشيد والتحضير الروسي الجانب الأوكراني بدرجة كبيرة جداً، خاصة مع كافة المؤشرات التي تدل على خسارة كييف الحالية، أو النهائية مستقبلاً، ليدلّ هذا السلوك وضوحاً على أن التحضير يجري استعداداً لمواجهة شاملة مع الغرب مجتمعاً، وضمناً حلف الناتو. وتؤكد الاستراتيجية الروسية على أن موسكو تعلن استعدادها لأي مواجهة عسكرية لا مع أوكرانيا فحسب، بل مع الغرب مجتمعاً. وتأمل روسيا أن تردع هذه الاستعدادت أي محاولات غربية لتصعيد جديد، أو دفع الناتو لمواجهة مباشرة مع روسيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140