الرياض- طهران خطوات ثابتة إلى الأمام
زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان العاصمة السعودية الرياض يوم الخميس 17 آب، في زيارته الرسمية الأولى منذ الإعلان عن استئناف العلاقات الثنائية من بكين في شهر آذار الماضي، ورافق عبد اللهيان السفير الإيراني لدى السعودية علي رضا عنايتي بما يمهد لبدء عمله رسمياً خلال الفترة القادمة، توازياً مع المساعي الأمريكية للإضرار بهذه العلاقة وليس أقلها النفخ بمحاولات دفع السعودية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني
قالت الخارجية الإيرانية، إن خطوة زيارة عبد اللهيان تأتي في إطار استكمال تطور العلاقات بين طهران والرياض، وأنه من المقرر أن يبحث الوزيران عدداً من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
خلال اللقاء قال وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان «يأتي اللقاء في إطار مساعي تعزيز العلاقات الثنائية والأمن في المنطقة، وتأكيداً على الرغبة الصادقة وجدية البلدين لتنفيذ الاتفاقيات التي تعود بالنفع على البلدين وشعبيهما من خلال تعزيز الثقة المتبادلة والتعاون وتعزيز الاستقرار الإقليمي» وإن «السعودية حريصة على بحث سبل تفعيل الاتفاقيات السابقة، خصوصاً المتعلقة بالجوانب الأمنية والاقتصادية، وأهمية استمرار التشاور بين وزارتي خارجية البلدين» كما نقل دعوة العاهل السعودي الملك سلمان من عبد العزيز للرئيس الإيراني إبراهيم إيراني لزيارة الرياض.
بدوره صرّح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن «علاقات البلدين في مسار صحيح وفي طور التقدّم... الجانبان عازمان على توسيع التعاون في مختلف المجالات» وأعلن عن مجموعة اتفاقات، منها «ضرورة تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين في مجالات الاقتصاد والتجارة والأمن وغيرها»، و«ضرورة توقيع المزيد من الوثائق المشتركة الأساسية لتعزيز التعاون بين البلدين وسنضع ذلك على جدول أعمال السفارتين»، وأشار عبد اللهيان «نشهد إحياء العلاقات مع السعودية وتعزيز العلاقات مع سائر دول المنطقة لبناء علاقات متينة مع العراق والكويت وقطر والإمارات»، وأكد الجانبان على أهمية تفعيل الاتفاقات الأمنية وتفعيل العمل المشترك لحل أزمات المنطقة، وفي منشور له على منصة X عقب الزيارة قال عبد اللهيان «بإرادة قيادة البلدين، تم التأكيد على العلاقات الثنائية المستقرة في جميع المجالات». واطلع عبد اللهيان خلال زيارته على إجراءات تجهيز السفارة الإيرانية في الرياض خلال زيارة تفقدية لها واجتمع مع أعضاء السفارة تمهيداً لفتحها ومباشرة عملها خلال الفترة المقبلة.
بالتوازي مع ذلك أعلن عن اتفاق رئيس الأركان العامة الإيراني ونائب وزير الدفاع السعودي على استئناف عمل الملحقين العسكريين في سفارتي البلدين بالرياض وطهران، وتقرر تبادل الملحقين العسكريين للدولتين وبدء عملهم بالسفارات في أسرع وقت ممكن. ما يعد تطوراً لافتاً في مستوى التنسيق بين البلدين.
تطبيع سعودي مع الكيان؟
تأتي هذه التطورات الإيرانية السعودية وسط ارتفاع أصوات غير رسمية وإعلامية «إسرائيلية» وغربية عن اقتراب لحظة إعلان تطبيع إبراهيمي بين السعودية والكيان، والتي تصاعدت وتيرتها بعد زيارة مستشار الرئيس الأمريكي جيك سوليفان إلى جدة بداية شهر حزيران الماضي للهدف نفسه. وتشكل هذه الزيارة جزءاً واحداً من العديد من الإجراءات الرسمية السابقة أو المحادثات غير الرسمية التي هدفت بمجملها لدفع هذا الملف إلى الواجهة.
يصعب حصر جميع المحاولات الأمريكية والصهيونية لدفع الرياض للقبول بتوقيع اتفاق تطبيع، لكن المؤكد أنها باتت كثيرة ومتواترة، لكنها لم تحقق أي نتيجة ملموسة حتى الآن، ولا يمكن لأي من المسؤولين الأمريكيين المكلفين في هذا الملف أن يذكروا أي إنجاز أحرزوه في هذا السياق. فكل ما يجري تداوله حتى اللحظة ما هو إلا تسريبات غير مؤكدة عن مفاوضات صعبة تجري، يطرح ضمنها «شروط» ما لإنجاز الصفقة، ما بات يؤكد أن المملكة السعودية لا ترى اليوم أي مصلحة في صفقة كهذه، في تناقض واضح مع الكيان وواشنطن اللذان باتا بحاجة ماسة لتوسيع اتفاقاتهم الإبراهيمية، لاعتبارات كثيرة ليس آخرها تدعيم موقف الكيان في ظل اختلال التوازن الحاصل في المنطقة بعكس المصلحة الأمريكية. ومحاولة تهدئة الداخل المضطرب.
وعليه فإن ما يمكن قوله وضوحاً هو عدم وجود أي نية سعودية بالتطبيع مع الكيان على المدى المنظور، ويؤكد هذا الأمر اعتراف سوليفان نفسه بتصريحه في 22 آب الجاري أن اتفاق التطبيع بين السعودية والكيان لا يزال بعيداً.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن الهدف الرئيسي خلف هذه المحاولات والأحاديث المتزايدة منذ زيارة سوليفان الأخيرة هو التشويش على العلاقات الإيرانية السعودية بعد إعلان استئنافها، ومحاولة الإضرار بها عبر استفزاز طهران، إلا أن الوقائع والخطوات العملية الحاصلة بين البلدين تمضي باتجاه واحد وهو المزيد من التقارب الثنائي بالضد من المصلحة الأمريكية والصهيونية ككل.
السعودية وإيران في بريكس
أعلن قادة مجموعة البريكس خلال اجتماعهم الأخير عن قبولهم ودعوتهم 6 دول للدخول كأعضاء دائمين في التكتل هي الأرجنتين وإثيوبيا ومصر والإمارات والسعودية وإيران.
يتيح هذا الوجود الإيراني والسعودي في تكتل بريكس فرصاً أكبر وأوسع للتقارب والتفاهم لا على المستوى الثنائي أو الإقليمي فحسب، إنما على المستوى الدولي والإستراتيجي كذلك، بما يمهد لعلاقات وسياسات تتناسب مع التطورات الدولية الجديدة، ويمكن قول الأمر نفسه عن العلاقات الإيرانية المصرية التي يجري العمل على تحسينها واستئنافها.
كما أن وجود كلّ منهما في هذا التكتل تحديداً، يعني وقوفهم بجبهة واحدة ومشتركة بمسار اقتصادي وسياسي يتناقض جذرياً مع الغربيين والولايات المتحدة والعمل عليه بخطا واضحة، خاصة وأن كلا البلدين يعدان من كبار منتجي الطاقة عالمياً تحديداً فيما يتعلق بالنفط، وبكلمة، فإن دخول طهران والرياض في هذا التكتل يشكل ضربة كبرى لكافة محاولات الغربيين بالإضرار بينهما ويفتح أمام البلدين آفاق واسعة لتجاوز الخلافات القائمة والتي تراكمت منذ عقود.
هل يوجد مجال للتراجع؟
المؤشرات التي يمكن رصدها لتطور العلاقات السعودية الإيرانية تمضي إلى الأمام ودون تراجع، فإن كان بعض القضايا الشائكة بين البلدين تأخذ وقتاً وجهداً في حلّها إلا أنه لا تغيير في الاتجاه العام الذي تتطور فيه هذه العلاقة، فهذا التقارب، وبالرغم من كونه مصلحة مشتركة إيرانية- سعودية إلا أنه حجر الأساس في إستراتيجية دول عظمى مثل روسيا والصين، وربما وجود دعم لهذا المسار من قبل الدولتين، يفسر صموده أمام كل محاولات التخريب الأمريكية، فبالنسبة لموسكو وبكين لا يمكن الذهاب إلى استقرار في هذا الإقليم الإستراتيجي دون حل قضايا خلافية كبرى ولا يخفى على أحد أن الخلافات السعودية- الإيرانية ينبغي أن تكون على رأس جدول المهام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1137