بريكس… توسع صفوفها رغم التحديات الجديدة

بريكس… توسع صفوفها رغم التحديات الجديدة

أنهت مجموعة بريكس قمتها الخامسة عشر في عاصمة جنوب إفريقيا جوهانسبرغ، حيث عقدت جلساتها على امتداد ثلاثة أيام من 22 إلى 24 آب الحالي، وتميز الحدث هذه المرة باهتمام عالمي كبير وغير مسبوق، ارتبط بشكل أساسي بجدول أعمال القمة، وقائمة الضيوف الموسعة، هذا فضلاً عن قرارات شكك كثيرون بإمكانية اتخاذها فعلاً.

منذ عقدت دول بريكس اجتماعها الوزاري التحضيري، كان الحديث يدور حول جملة من القضايا، أبرزها: إمكانية إقرار عملة موحدة لدول المجموعة، يمكن استخدامها وسيطاً للتبادل التجاري، أما القضية البارزة الأخرى فكانت إيجاد المعايير والآلية لتوسيع المجموعة، التي تلقت بالفعل طلبات من أكثر من 20 دولة ترغب في الانضمام إليها.

ما التحديات التي تواجه العملة الجديدة؟

قال الرئيس الروسي في تصريحاته: إن «مسألة اعتماد عملة موحدة لا تزل معقدة، وبحاجة لمزيد من النقاشات» ومن المؤكد أن الحديث هنا لا يجري حول المسائل التقنية والمالية المرتبطة باستصدار هذه العملة، بل المسائل السياسية والاستراتيجية الكبرى، إذ أن ذهاب دول المجموعة في هذه الخطوة بات أكثر الحاحاً من أي وقتٍ مضى، فالابتعاد عن الدولار في التبادلات التجارية البينية، هدفٌ معلن لكافة دول بريكس ولا يخفيه أحد، بل اتجهت هذه الدول وغيرها إلى إيجاد بدائل عن الدولار في احتياطاتها، والاعتماد على سلّة موسعة متنوعة من العملات أو الذهب، كل هذا كان يمهد الأرضية لضرورة إيجاد عملة بديلة قادرة على أداء دور الدولار، ما يطرح السؤال حول السبب في تأخير الإعلان عن هذه العملة، وربما يكون فهم الأهمية السياسية والاستراتيجية لهذه الخطوة يقدم جواباً لهذه الأسئلة، إذ أن اعتماد عملة جديدة سيخفض الطلب بشكلٍ كبير على الدولار الأمريكي، ويخرجه من التداول من أحد أكثر القطاعات الحيوية في العالم، وبالتالي يحرم واشنطن من ريعيته الهائلة التي اعتمدت عليه كداعم أساسي لدورها الدولي المضخم، ومن هذه الزاوية تدرك بريكس حجم هذه الخطوة، لكن يبدو أن حسابات دول المجموعة لم تصل إلى درجة التطابق في هذه المسألة بعد، فالهند مثلاً تحافظ حتى اللحظة على التعاون مع واشنطن في عدد من المسائل، وترتبط اقتصادات دول المجموعة بالدولار بنسب متفاوتة، ويمكن للمراقب العادي إدراك أن الوضع في روسيا كان الأكثر إلحاحاً في الفترة الماضية، نظراً للدور الكبير الذي يلعبه الدولار في فرض العقوبات، التي أصبحت موسكو مضطرة للتعامل مع أقساها بعد الحرب في أوكرانيا. لكن التعامل الغربي مع روسيا بحد ذاته لم ينظر له بوصفه مسألة روسية فحسب، بل على العكس، إذ كان ذلك بمثابة مثال عن قدرات الدولار كسلاح، ما يجعل الاستغناء عنه أو تقليص الاعتماد عليه لأدنى مستوى ممكن، مسألة سيادية مرتبطة بالأمن الوطني، لا لدول بريكس وحدها، بل لكل دول العالم، ما يعني أن وجود عملة بديلة عن الدولار على جدول أعمال المجموعة لا يمكن تأجيله طويلاً، وخاصة إذا أخذنا بعض المتغيرات الأخرى بعين الاعتبار.

توسيع المجموعة

كان من اللافت في هذه القمة، أن قائمة الحضور فيها قاربت 50 رئيساً ورئيس حكومة، ما يعكس درجة الاهتمام المتزايد تجاه بريكس على مستوى العالم، وفي الوقت الذي وصلت عدد طلبات الانضمام إلى حوالي 20 دولة، لم تتوقف التقارير الإعلامية المشككة بقدرة المجموعة على القيام بهذه الخطوة، وكان نقاش المسألة يجري من باب التناقضات الكثيرة بين هذه الدول، واختلاف أولوياتهم، لكن الإعلان عن قبول أعضاء جدد لم يطل كثيراً، إذا أعلن رسمياً عن قبول طلبات 6 دول جديدة، هي السعودية وإيران والإمارات والأرجنتين ومصر وإثيوبيا، وترافق هذا الإعلان مع إعلان آخر عن أن دول المجموعة توصلت إلى «توافق في الآراء بشأن المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات لعملية توسيع التكتل» ما يعني أن الدول الست لن تكون آخر من يُقبل، ولن يمضي وقتٌ طويل قبل صدور إعلانات مشابهة.
بالرغم من أن «المعايير» و»المبادئ التوجيهية» لقبول الأعضاء الجدد لم تعلن، لكن الدول المقبولة أثارت الكثير من الاهتمام، نظراً للقواسم المشتركة فيما بينها، فتتمتع كل من السعودية وإيران والإمارات المتحدة بموقع متقدم في سوق الطاقة، وتسهم هذه الدول إلى جانب روسيا بنسبة كبيرة من الإنتاج والاحتياطي العالمي، ما يعني وزناً نوعياً جديداً لدول بريكس، التي ستكون قادرة بعد توسعتها أن تمارس دوراً أساسياً في وضع سياسات الطاقة العالمية، لكن الأخطر من ذلك، هو كون التبادل بالعملات المحلية يعتبر ركيزة أساسية في هذا الإطار، وعلى ذلك ليس صعباً القول بإمكانية اعتماد العملات المحلية في جزء، أو كل صفقات تبادل الطاقة داخل المجموعة، ما من شأنه أن يوجّه ضربة كبرى لنظام البترودولار، وخصوصاً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الهند والصين تعتبران من المستهلكين الكبار للطاقة على مستوى العالم، وقامتا بالفعل بشراء كميات من خامات الطاقة بعملات بديلة غير الدولار، ويمكن لبريكس أن تشكّل غطاءً سياسياً كافياً بالنسبة للسعودية، للمضي في تفكيك البترودولار، وخصوصاً بعد أن نوّعت الرياض شراكاتها الأمنية، ولم تعد واشنطن داعمها الأمني الوحيد.
ونبّه بعض الاقتصاديين إلى مسألة أخرى بالغة الأهمية، ترتبط بحجم الاحتياطات النقدية الكبيرة الموجودة لدى دول الخليج النفطية، وقدراتها العالية على ضخ كميات كبيرة من السيولة، ما سينعكس بشكل ملحوظ على دور بنك التنمية الآسيوي، الذي لم يستطع حتى اللحظة تحقيق الهدف النهائي منه، أي أن يتحول إلى بديل عن البنك الدولي في تمويل وإقراض الدول، فالظروف الاقتصادية في السنوات السابقة والعقوبات الشديدة التي تعرّضت لها روسيا أثرت بشكل كبير على قدرات البنك، الذي يبدو أنه يعوّل على آفاق التعاون مع دول مثل السعودية، قادرة على حل جزء حيوي من هذه المشاكل المذكورة.

إن الإطار الجامع لدول بريكس الإحدى عشر لم يعد غامضاً، بل هو أن هذه الدول أصبحت ترى الآفاق الاستراتيجية الكبرى للتعاون فيما بينها من جهة، وترى من جهة أخرى أن العقبة الوحيدة أمام هذا التعاون وإمكانات التنمية العالية، ترتبط بشكل أساسي بكل المؤسسات والأدوات الغربية، التي جرى استخدامها لعقود للتحكم بالاقتصاد العالمي لمصلحة النخبة الغربية، أي أن مهمة مجموعة بريكس تحقيق أعلى قدر ممكن من التعاون البيني، وخلق البدائل لهذه الأدوات الغربية سيئة الصيت، وعلى هذا الأساس تبدو قائمة الدول المهتمة بالانضمام إلى بريكس تعبير عن حجم قبول هذه الأهداف الجيوستراتيجية الكبرى، ربما تكون الفترة القادمة فترة ذهبية بالنسبة لهذا الإطار، الذي سيجد الفرصة سانحة لإثبات إمكانياته، لا للدول الأخرى، بل للدول الأعضاء فيه، التي ستتجه تدريجياً إلى بناء مصالح مشتركة وتقاطعات جديدة فيما بينها. 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1137