الجزائر ورحلة التكيّف مع القوى الجديدة

الجزائر ورحلة التكيّف مع القوى الجديدة

زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون العاصمة الصينية بكين يوم الاثنين 17 تموز بهدف تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تمّ توقيع 19 اتفاقية شملت مجالات عديدة، وأعلن تبون من بكين مجدداً عن رغبة بلاده بالانضمام لمجموعة بريكس، كما نوقشت جملة من المسائل، من بينها: الملف الأوكراني والصحراء الغربية...

لتشكل هذه الزيارة جزءاً من تحركات جزائرية أوسع على المستوى الدولي، كانت قد سبقتها الزيارة إلى موسكو وتلتها زيارة إلى أنقرة، بينما لا تزال الظروف الداخلية للبلاد تمثل مشكلة وتحدياً لا بد من حله أمام الجزائريين.

اتفاقات اقتصادية

تأتي زيارة تبون للصين بإطار توجه جيوسياسي عام موجود أساساً، ويتسارع الآن، بالتعاون مع الشرق والتخلص من الهيمنة الغربية وآثارها داخل البلاد بكافة المسائل، وأهمها: الجوانب الاقتصادية والمالية، وهو توجه أوجد لنفسه فرصاً أكبر الآن مع التغيرات الدولية الجارية، وانطلاقاً من المصالح الجزائرية وبقراراتها السيادية.

شملت الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الصيني والجزائري، استيراد كافة المواد الأولية التي تحتاجها الجزائر من الصين بأسعار منافسة ومخفضة، بالمقارنة مع ما تستورده حالياً من مختلف الدول، وتصدير المواد المتوفرة في الجزائر للصين، كما تضمنت الاتفاقات استثماراً بقيمة 36 مليار دولار بمجالات عدة، منها: الصناعة والتكنولوجيا الحديثة، واقتصاد المعرفة والنقل والزراعة والتعليم والاتصالات وغيرها وفقاً للرئيس الجزائري، كما اتفق الطرفان على إنشاء مجلس أعمال جزائري– صيني لتعزيز الروابط بين الفاعلين الاقتصاديين بالبلدين، وناقش الجانبان استثمار وتطوير الطاقات المتجددة في الجزائر.

يذكر أن الواردات الصينية للجزائر تزايدت خلال عقد بشكل كبير، حيث كانت قيمتها 400 مليون دولار في 2003، ووصلت إلى 8 مليارات دولار في 2022.

تؤمن هذه الاتفاقات المعلن عنها على مستوى زيارة رئيس الدولة، وغيرها على مستوى وزراء الخارجية والتجارة، فضلاً عن الاتفاقات السابقة أو المستقبلية، إمكانية أكبر وأكثر متانة لاستقلال الجزائر عن الهيمنة الغربية بالجانب الاقتصادي، وبذلك أيضاً تؤمن استقراراً اقتصادياً في البلاد، بما ينعكس على الظروف السياسية والاجتماعية بالنتيجة.

الانضمام إلى بريكس

تتكامل هذه التحركات الاقتصادية والتجارية مع رغبة الجزائر بالانضمام إلى مجموعة بريكس، التي تشكل بديلاً فعلياً عن العالم الغربي باقتصاده وعملته وهيمنته، ووفقاً لسياسات التكامل والتكافؤ، حيث أعلن عبد المجيد تبون مجدداً من بكين خلال لقائه مع نظيره الصيني شي جين بينغ عن رغبة بلاده بالانضمام إلى المجموعة، وقد قدمت الجزائر طلباً للمساهمة ببنك بريكس بمبلغ 1.5 مليار دولار بالفعل. بدوره أكد الرئيس الصيني تأييده ودعمه للانضمام، ويذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن عن دعم بلاده لانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس خلال زيارة تبون إلى موسكو الشهر الماضي.

ستعقد مجموعة البريكس قمتها المقبلة خلال شهر آب القادم، ومن المتوقع أن يعلن عن انضمام أو البدء بالتحضير لانضمام عدد من الدول، والتي من المرجح أن تكون الجزائر واحدة منها.

ملفات مختلفة

خلال الزيارة ناقش الرئيسان الجزائري والصيني ملف الصحراء الغربية، الذي ظهر بشدّة بعد إعلان حكومة الكيان الصهيوني عن اعترافها الأحادي بأحقّية المغرب على المنطقة، كنوع من الخدمة للمغرب مقابل التطبيع، ليعلن الرئيسان من بكين أن حل هذا الملف يبنى على حق تقرير المصير بالنسبة لسكّان منطقة الصحراء الغربية.

وحول الملف الأوكراني، دعا الطرفان للتسوية بالوسائل السلمية، عبر الحوار والتفاوض والقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، مؤكدين: ألا يجوز تحقيق أمن دولة ما على حساب أمن دولة أخرى، وعدم استعمال العقوبات أحادية الجانب.

تحركات جزائرية دولية

زار تبون موسكو خلال الشهر الماضي، وبكين قبل أسبوع، وذهب بعدها إلى العاصمة التركية أنقرة في إطار التوجه العام نفسه بتعزيز وتطوير علاقات بلاده الدولية بعيداً عن الغربيين وبالضد من رغباتهم ومصالحهم.

تعطي هذه التطورات الجيوسياسية للجزائر بنتائجها حقها بوزن سياسي أكبر، يعبر عنها على المستوى الإقليمي والدولي، وهو بذلك يتيح لها إمكانات تأثير أوسع على الدول والملفات المحيطة بها، سواء ليبيا أو السودان أو المغرب مثلاً، وشمال إفريقيا عموماً، وحتى الملف السوري بالتحركات العربية المحيطة به، وبالمثل، تصبح الجزائر جسراً رئيسياً لتطوير العلاقات الروسية أو الصينية مع الدول المحيطة بها.

يحلو للغربيين التصيّد بأي تطور أو حدث، للعب على التناقضات الصينية الروسية وتشويها، لتنشر عدداً من المقالات في الصحف الغربية عقب زيارة تبون لبكين، تخلُصُ إلى أن هذا التطور بالعلاقات ما بين الجزائر والصين جرى على حساب العلاقات الجزائرية الروسية، وبالضد من مصالح روسيا، وصولاً للتسرّع بافتراض أن الصين قد تصبح بديلاً عن روسيا للجزائر، فيما يتعلق بصفقات السلاح والتعاون الدفاعي والأمني.

على أية حال، تُبنى هذه التصورات والتحليلات بالاستناد إلى عقلية الهيمنة الغربية، وانطلاقاً من عقليتها وزاوية رؤيتها للشكل التنافسي، بينما الواقع يمضي بسياسات مختلفة كلياً، فتنمية وتطوير بلدٍ من البلاد سينعكس إيجاباً على غيرها، ومثل هكذا تقارب جزائري صيني لا يمثل تحدياً للوزن والمكانة الجيوسياسية لروسيا في الجزائر، والاتفاقات الاقتصادية الموقعة معها لا تشكل تهديداً لمصالح موسكو، وحتى إن جرت اتفاقات دفاعية مع الصين، لن تؤثر على العلاقات الروسية الجزائرية، وبمثل هذه اللحظة من الصراع العسكري بين روسيا والغرب مجتمعين في أوكرانيا، فإن هذه التحركات الصينية بالضد من الغربيين والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، تتيح لها إمكانية ومتانة أعلى في الصراع، وتتوافق مع مصالح موسكو بإضعاف الغربيين وتحييدهم عن المسرح الدولي بكافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

التحديات الداخلية

لا تزال الجزائر تعاني من مشكلات داخلية بالجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بطبيعة الحال، ليمثل حلها بشكل سلمي وبأقل قدر من التوترات تحدياً جدياً أمام الجزائريين. لكن الأكيد والواضح، أن هذه التحركات السياسية والاقتصادية الخارجية لا تشكل بديلاً بأية حال عن ضرورة إجراء تغييرات جذرية على المستوى الداخلي، وبالعمق منه الشكل الاقتصادي- الاجتماعي القائم في البلاد وتوزيع الثروة وإنهاء الفساد. أشار الرئيس عبد المجيد تبون إلى هذه النقطة بشكل عرضي، خلال اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث أبلغه عن «تحولات جوهرية» يعرفها الاقتصاد الجزائري متطلعاً لمواكبة التغيرات الجارية على المستوى الدولي.

تؤمن هذه التحركات بالسياسة الخارجية للجزائر- والاتفاقات التي تبرمها بعيداً عن الغربيين- إمكانية أكبر لمواجهة التدخل الأجنبي في البلاد، والحدّ منه ومن احتمالات تأثيره، وهي التدخلات التي كانت وما تزال تهدف لتوتير البلاد، وربما إطلاق موجة من موجات الثورات الملونة داخلها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1132