تصدعاتٌ أكبر من قدرة الكيان على الاحتمال
تستمر حالة الانقسام والغليان داخل الكيان الصهيوني حتى اللحظة، ما يرجّح احتمالية تعّمق المشكلة لتأخذ أشكالاً أكثر دموية، الأمر الذي حذّر منه عدد من السياسيين الصهاينة، الذين يرون احتمالاً جدياً في تحوّل المشهد الحالي إلى حرب أهلية شاملة. المسألة اليوم لم تعد ضمن إطار التصريحات والتحذيرات، بل بدأ الانقسام يفعل فعله في الجيش وأجهزة الدولة الحساسة.
المظاهرات غير المسبوقة التي باتت عامل ضغط كبير أنهت أسبوعها الثاني عشر على التوالي، تعتبر إحدى نتائج حالة الاستياء والانقسام السياسي، فبعد تلميحات فريق نتنياهو بأن واشنطن تحرك الشارع بهدف إسقاطهم، خرج نجل رئيس الوزراء ليقول ذلك صراحةً.
واشنطن والاحتجاجات
اتهم يائير نتنياهو الإدارة الأمريكية بتأجيج التظاهرات الحاشدة، وهاجم نجل رئيس الوزراء المحتجين، وشبههم بـ «العاصفة النازية». وهو ما يجري تداوله حتى في بعض وسائل الإعلام الأمريكية. فالمشاكل بين الإدارة الحالية والحكومة الصهيونية لم تعد مَخفية، ولم يعد بالإمكان تجميلها أو تخفيف حدتها، وخصوصاً بعد قمة العقبة الأخيرة. لكن الطريقة التي يجري فيها تقديم المشكلة بوصفها خلافاً بين الإدارة الحالية والحكومة اليمينية حول الموقف من إيران لا تكفي لتفسير ما يجري. فبالتأكيد لا يُعد مستغرباً أن تنخرط الإدارة الأمريكية في محاولات لقلب حكومة ما، وخصوصاً أن تاريخها حافل بهذا الشكل من التدخلات. لكن الخلاف الحالي بين الإدارة الأمريكية والكيان له أسبابه العميقة الكامنة في أن مصالح الطرفين باتت تختلف في عدد كبير من المسائل، وهذا الخلاف له جذوره الموضوعية العابرة للإدارة الأمريكية الحالية، وعابرة لحكومة نتنياهو أيضاً. فإن كانت واشنطن هي من يقف فعلاً خلف الاحتجاجات- وهو ما لا يمكن أن يكون السبب الوحيد- لن تحل المشكلة بإسقاط الحكومة، بل ستجد الحكومة القادمة نفسها، أياً كان توجهها، في مأزق مشابه.
تصدعات المؤسسة العسكرية
مؤخراً، كثرت التقارير التي تشير إلى وجود تصدعات في صفوف الجيش، فمن جهة تغيّب الكثير من جنود الاحتياط عن الخدمة، بسبب انخراطهم في الاحتجاجات على خطة «الإصلاح القضائي» التي يقودها نتنياهو. فقد حذّر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي حكومته من أن الوضع الحالي يؤثر على عمليات الجيش.
ونقلت «تايمز أوف إسرائيل» تقريراً إعلامياً أمريكياً يشير إلى تصريحات رئيس الأركان، بأن عدد جنود الاحتياط الذين حضروا لخدمة الاحتياط هذا الشهر انخفض لدرجة أن الجيش على «وشك الإضرار بنطاق عمليات معينة». وبالرغم من نفي حكومة نتنياهو هذه الأنباء، إلا أن معلومات في السياق ذاته يجري تداولها على نطاق واسع. فقالت القناة 1 إن «700 من جنود الاحتياط في لواء ناحال بعثوا برسالة إلى هليفي وإلى وزير الدفاع يوآف غالانت، يطلبون فيها بذل كل ما في وسعهم لوقف الإصلاح القضائي». وفي السياق ذاته ذكرت «هآرتس» أن 57% فقط من جنود المظليين الاحتياطيين حضروا إلى الخدمة هذا الأسبوع. وقد وصل هذا العدد في بعض الألوية إلى 90%.
يمكن القول مما تقدّم: إن الانقسام لم يعد بين نتنياهو ومعارضته، فالتصدّعات تظهر بوضوح حتى في فريق نتنياهو، وكان آخرها تصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت التي دعا فيها لإيقاف خطة «إصلاح القضاء». هذه المؤشرات ليست مستغربة، وهي ربما ستزيد من تعقيد المشهد بشكل أكبر، وخصوصاً بعد توقيع الاتفاق السعودي- الإيراني تحت الرعاية الصينية. فاللحظة التي يعيشها الكيان حساسة ومفصلية بالفعل، ويمكن لهذا المستوى من الضغط أن يدفعه للقيام بمغامرات عسكرية غير محسوبة العواقب، لكن حالة الضعف الشديدة التي يعيشها يمكن أن تكون معيقة لاتخاذ خطوات عدائية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1115