الحكومة العراقية تُؤكد «حاجتها» للقوات الأمريكية وللعلاقات مع فرنسا
ملاذ سعد ملاذ سعد

الحكومة العراقية تُؤكد «حاجتها» للقوات الأمريكية وللعلاقات مع فرنسا

وقعت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني اتفاقية تعاون استراتيجي مع فرنسا، وفي وقتٍ سابق أطلق رئيسها عدة تصريحات تدعم بقاء واستمرار وجود القوات الأمريكية في البلاد، وبالتوازي مع ذلك أعاد المغرب (المطبّع مع الكيان الصهيوني) فتح سفارته في بغداد، بينما يشهد الدينار العراقي تدهوراً أمام الدولار، وعادت لتبرز المشكلات المالية بين بغداد وأربيل.

بعد صراعات طويلة وخلافات حادة بين مختلف القوى السياسية العراقية، نجح محمد شياع السوداني المرشح عن الإطار التنسيقي بتسلم رئاسة الحكومة، والآن بعد مرور قرابة 3 أشهر على الأمر خفّ خلالها مستوى الصراع داخلياً، إعلامياً على الأقل، وبادرت الحكومة العراقية بجملة من الخطوات والتصريحات، التي من شأنها أن تعيد أجواء التوترات السياسية والأمنية من جديد.

التأكيد باستمرار وجود القوات الأمريكية

بدأ الأمر مع زيارة منسق البيت الأبيض بريت ماكغورك إلى بغداد في 16 من الشهر الجاري، التقى خلالها السوداني، كما زار أربيل للقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارازاني. خلال لقائه مع السوداني، أكد الأخير وجود توجه حكومي بفتح آفاق تعاون مع بلدان «شقيقة» و«صديقة» تبيّن لاحقاً أن من بينها فرنسا والمغرب، وبنفس اليوم نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقابلة مع السوداني، جاء فيها قوله: إن العراق ما يزال بحاجة إلى القوات الأجنبية الموجودة فيه، أي عملياً الأمريكية.
كان هذا الموقف مفاجئاً للعديد من القوى العراقية وللعراقيين أنفسهم، فعلى الرغم من أن هذا التوجه ليس مستغرباً، لا بالحكومة الحالية ولا السابقة، ولا أية حكومة لاحقة، في إطار النظام العراقي الحالي نفسه، إلا أن التصريح بذلك بهذا الشكل يُعد جديداً وغريباً، بالمقارنة على الأقل مع حكومة الكاظمي السابقة، التي كانت بتصريحاتها ومواقفها أكثر دبلوماسية وحذراً بالتعاطي مع هذا الأمر. فضلاً عن أن حكومة الكاظمي أنشأت توازناً ما تجاه التعاطي مع مسألة خروج القوات الأجنبية، ليهدد السوداني عبر التصريحات بنسف هذا التوازن، والذي من المحتمل أن تكون نتيجته الإسراع بإخراج ما تبقى من قوات أمريكية في البلاد، بعد توترات سياسية وأمنية جديدة.

اتفاقية تعاون استراتيجية مع فرنسا

في الـ 25 من الشهر الجاري، أعلن السوداني عن زيارة إلى فرنسا مصرحاً من جديد: «فرنسا كانت سباقة لتقديم العون والمشاركة في استعادة العراق أراضيه، وخصوصاً في حرب تحرير الموصل... العراق ليس بحاجة لقوات قتالية أجنبية، بل قوات استشارية لسد احتياجات قواتنا من التدريب والتجهيز ... إننا بحاجة دائمة إلى مراجعة العلاقة مع التحالف الدولي، ورسم خارطة التعاون المستقبلي، في ظل التطور الدائم في القدرات القتالية لقواتنا المسلحة».
في اليوم التالي، خلال زيارته لباريس، أعلن رئيس الحكومة العراقية عن توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع فرنسا «تضمن للعراق تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة» وقال: إن حكومته «ستسعى لتفعيل الاتفاقات المُبرمة بين البلدين، وخصوصاً في قطاعات النقل والطاقة والاستثمار» كما تشمل الاتفاقية التعاون الأمني بين البلدين.
اعتبر العديد من العراقيين، أن هذه الاتفاقية معيبة بحق العراق وتثير السخط، فبقدر ما يحتاج العراق لعلاقات دولية جيدة تقوّي من اقتصاده ومكانته السياسية، إلا أن فرنسا تقع بآخر القائمة من حيث الأهمية بتحقيق هذه المصالح، لدرجة أن المستفيد فعلياً سيكون الجانب الفرنسي لوحده ضمن أزمته الحالية، على حساب الشعب العراقي ومستقبله، ومن جهة أخرى، يعتبر العراقيون أن هناك دولاً أولى تبدي استعداداها لتطوير العلاقات مع العراق، غير فرنسا وغير الغربيين عموماً.
تؤكد الحكومة العراقية الجديدة، ومن جديد بإطار المنظومة العراقية بكافة حكوماتها، على ارتباطاتها الوثيقة مع الغرب، وحاجتها له لضمان بقائها واستمرارها، كما لا يمكن تفسير مصلحة الحكومة العراقية ببقاء القوات الأمريكية في البلاد إلا ضمن هذا السياق، ويرى العراقيون أن تغيير اللهجة من الحذر والدبلوماسية تجاه هذه النقطة، إلى هكذا تصريحات حاسمة ومتهورة، تعكس وجود تخوفات حقيقية مع اقتراب موعد هذا الخروج، سواء بالضغوط الداخلية أو بالتطورات الدولية.

المغرب يعيد فتح سفارته

بالتوازي مع ما سبق، أعاد المغرب فتح سفارته في العراق في الـ 28 من الشهر الجاري وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في بغداد: إن «زيارة وزير الخارجية المغربي اليوم إلى العراق تعد زيارة تاريخية بعد مرور ربع قرن على زيارة وزير خارجية مغربي... إعادة افتتاح السفارة المغربية ستؤسس لعلاقات قوية بين البلدين ... تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية مرحلة جديدة من خلال وضع آلية لجميع رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين، وتأسيس منتدى لرجال الأعمال، لتطوير التعاون المشترك على المستوى الحكومي والقطاع الخاص، والعمل على إحياء العلاقات التجارية بين البلدين».
ضمن ظروف طبيعية، تعد هذه الخطوة إيجابية بطبيعة الحال، إلا أن القيام بها بهذا الوقت عبر النظر إلى عدة عوامل، من شأنه أن يضع العديد من إشارات الاستفهام، أولاً: تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني سابقاً. ثانياً: إجراء هذه الخطوة بعد لقاء السوداني وماكغورك، وفتح آفاق التعاون مع البلدان «الشقيقة». ثالثاً: اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع فرنسا، وتأكيد السوداني ضرورة استمرار القوات الأجنبية في البلاد، ورابعاً وأخيراً: عدم تناسي المحاولات الغربية السابقة بدفع العراق إلى اتفاقات أبراهام، والتي حذرت منها قوى المقاومة العراقية صراحةً.
مما لا شك فيه، أنه منظومة بريمر ببنيتها وأساساتها وعلاقاتها الغربية الوثيقة لا تجد تناقضاً مع الكيان الصهيوني من حيث المبدأ، فمن يريد استمرار وجود القوات الأمريكية والتعاون معها يعكس هذا الأمر، وجُل ما يقف بينها وبين اتخاذ مثل هكذا خطوة هو الشعب العراقي نفسه كاملاً أولاً، وقواه المقاومة ثانياً، فضلاً عن عوامل أخرى... وبذلك فإن إعادة فتح سفارة المغرب بسياق التطورات الأخيرة تحديداً، يحمل إشارات سلبية إلى حدٍ ما، لدرجة أن بعض العراقيين يتساءلون: من تشمل تلك البلدان «الشقيقة» التي أكد السوداني لماكغورك فتح آفاق التعاون معها؟

دينار متهاوٍ واحتجاجات ومشاكل مالية

تظاهر مئات العراقيين يوم الأربعاء الماضي أمام مبنى البنك المركزي في بغداد، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، ومطالبين بخفض سعره، رفع خلالها المحتجون شعارات تندد بحكومة السوداني وسياساته، وهددوا بالتصعيد بحال لم تستجب الحكومة لمطالبهم، حيث ارتفع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي من 1480 إلى 1700 مؤخراً، ضمن ظروف لا تعطي أية مؤشرات مستقبلاً إلا بزيادة تدهور الدينار العراقي.
من الإجراءات المتخذة بهذا الإطار، كان إعفاء محافظ البنك المركزي العراقي، ومدير مصرف التجارة وتعيين غيرهما، وإقامة حملات بمواجهة صرّافي السوق السوداء، وغيرها من الأمور التي لا تغير بالأمر شيئاً، ولا تعتبر سوى إجراءات شكلية بغرض إعلامي، بينما جوهر المشكلة هو اعتماد الاقتصاد العراقي على الدولار، وبقيادة هذه المنظومة، المشكلة التي لا يمكن حلها إلا بالتغيير السياسي الحقيقي في البلاد.
وبسبب المشاكل الاقتصادية، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قراراً بعدم إرسال مبلغ مالي محدد إلى إقليم كردستان، مما استدعى رداً من جانب الأخير، ونشأت توترات جديدة بين بغداد وأربيل نتيجة للأمر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1107
آخر تعديل على الثلاثاء, 31 كانون2/يناير 2023 08:40