رسالة صينية… «خسارة ألف جندي خير من خسارة شبر أرض»
التقى في نيويورك، منذ أيام، عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق هنري كيسنجر، وشكّلت تايوان بلا شك الموضوع الأساسي لهذا اللقاء، وخصوصاً أن هذه المسألة كانت دائماً في قلب العلاقات الأمريكية- الصينية، وهو ما يدركه كيسنجر قبل غيره.
طرح الظهور المتكرر للمستشار الأمريكي السابق مؤخراً الكثير من الأسئلة، فشغلت تصريحاته حول أوكرانيا الصحف لفترة من الوقت، وما أن بدأ التصعيد الأمريكي في تايوان حتى عاد كيسنجر لإطلاق تصريحات انتقدت في عدد من المناسبات السياسة الأمريكية في هذه المسألة، وهو أمرٌ غير مستبعد، خصوصاً أنه كان عراب التقارب الصيني الأمريكي في سبعينيات القرن الماضي، والذي ما كان ليتم لولا التعهدات الأمريكية بخصوص المسألة التايوانية، واعترافها بمبدأ الصين الواحدة، وهو ما جرى التراجع عنه دون إعلانٍ صريح من قبل واشنطن.
ما هدف اللقاء؟
على الرغم من أن كيسنجر لا يشغل منصباً رسمياً في الإدارة الأمريكية الحالية، ومع أن عيد ميلاده الـ 100 يقترب! إلا أنه يلعب دوراً ما حتى اللحظة، وربما يخدّم هذا الدور رؤى بعض الأطراف السياسية الأمريكية، التي تنقل عبره رسائل محددة، وهو ما كان واضحاً في المسألة الأوكرانية، إلا أن ما يثير الانتباه في اللقاء الأخير مع وزير الخارجية الصيني، هو أن كيسنجر لم يقل الكثير في نيويورك بل استمع لما تريده الصين! ولم تنقل وسائل الإعلام عن لسانه إلا بضع كلمات. فأوردت وكالة الأنباء الصينية شينخوا أن المستشار السابق «استذكر تاريخ التوصل إلى بيان شنغهاي مع القادة الصينيين آنذاك، وقال: إن الأهمية القصوى لمسألة تايوان بالنسبة للصين يجب أن تكون مفهومة بالكامل». وقد وردت هذه العبارة في آخر تقريرٍ طويل خصص لنشر كل ما قاله وانغ، ليبدو اللقاء كما لو أن الصين هي من يرسل الرسائل هذه المرة لا العكس.
ما الذي قاله وانغ إذاً؟
أشار تقرير شنخوا المذكور أعلاه إلى أن وانغ شدد على أن «كيسنجر كان دائما صديقاً للصين، ولديه ثقة في العلاقات الصينية الأمريكية» ليضيف عضو مجلس الدولة الصيني، بأنه يأمل أن يواصل المستشار الأمريكي السابق «لعب دور فريد وهام وأن يساعد العلاقات الثنائية على العودة إلى مسارها في أقرب وقت ممكن» ثم أسهب في الحديث عن التناقض الواضح بين أقوال المسؤولين الأمريكيين، وما يجري ممارسته على الأرض من تصعيد وانتهاك للسيادة الصينية على أراضيها، وأضاف: أن على واشنطن العودة إلى انتهاج سياسة خارجية مع الصين تتسم بالمنطق والعملية، وأن تعود إلى المسار الصحيح للبيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، والحفاظ على الأساس السياسي للعلاقات الثنائية. واختتم الوزير كلامه بشكلٍ شديد الوضوح، فقال: إن ازدياد نمو النزعة الاستقلالية في تايوان سيقلل من حل المسألة سلمياً، وذكّر مستضيفه الأمريكي بالمثل الصيني القديم الذي يقول «الأفضل خسارة ألف جندي على خسارة إنشٍ واحد من الأرض» واعتبر أن هذا المثل «يصف بشكل أفضل إرادة الشعب الصيني وتصميمه».
جرى هذا اللقاء بعد يوم واحد من تصريحات بايدن الأخيرة التي ادعى فيها أن واشنطن ستدافع عن تايوان بحال بدأت الصين عملية عسكرية لاستعادة الجزيرة، ولذلك ترى الصين نفسها مضطرةً للتذكير مجدداً أنها لن تبقى في موقع المتفرج حيال الاستفزازات الأمريكية المتكررة، فالخطوات الصينية الكبيرة التي تلت زيارة بيلوسي لم تكن أقصى ما تستطيع الصين القيام به. لكن ربما تراهن بكين أن هناك في واشنطن من لا زال يملك القليل من العقلانية للتراجع قبل أن تتجه الأمور إلى تصعيدٍ أكبر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1089