جدل حول الحوار الوطني في العراق
ملاذ سعد ملاذ سعد

جدل حول الحوار الوطني في العراق

بعدما رفض مجلس القضاء الأعلى في العراق الدعوى التي رفعها التيار الصدري من أجل حل مجلس النواب العراقي، بسبب عدم صلاحيته للقيام بذلك، دعا رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى حوار وطني يجمع مختلف الأطراف السياسية العراقية على خلفية الصراع السياسي الدائر داخل البلاد.

اجتماع الحوار الوطني

لبّت مختلف القوى السياسية دعوة الكاظمي، باستثناء التيار الصدري، وعقدوا اجتماعاً لهم في قصر الحكومة العراقية يوم الأربعاء 17 آب، انتهى ببيان صحفي مشترك، جاء فيه، أن المجتمعين اتفقوا على «إيجاد حل لكل الأزمات من خلال الحوار» وأن «القوى السياسية الوطنية تحتكم إلى المسارات الدستورية في الانتخابات» داعين «الإخوة في التيار الصدري إلى الانخراط في الحوار الوطني، لوضع آليات للحل الشامل»، كما دعوا إلى «إيقاف كل أشكال التصعيد الميداني، أو الإعلامي، أو السياسي، مؤكدين على ضرورة حماية مؤسسات الدولة، والعودة إلى النقاشات الهادئة».
لكن فيما يبدو أن بيان الاجتماع السابق احتوى مضامين جيدة من حيث الشكل، كان للتيار الصدري رأي آخر، حيث قال صالح محمد العراقي من التيار الصدري، والذي يعرف بـ وزير الصدر أو وزير القائد، عبر بيان صحفي: إن جلسة الحوار «لم تسفر إلا عن بعض النقاط التي لا تسمن ولا تغني من جوع [...] أغلب الحضور لا يهمه سوى بقائه على الكرسي، ولذا حاولوا تصغير الثورة والابتعاد عن مطالبها [...] جلستكم السرية هذه لا تهمنا بشيء». وأعلن التيار الصدري رسمياً رفضه لنتائج الحوار الوطني.
في المقابل، أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر «قدمنا مقترحاً إلى الأمم المتحدة لجلسة حوار بل مناظرة علنية، وببث مباشر مع الفرقاء السياسيين أجمع، فلم نر تجاوباً ملموساً منهم [...] فلا يتوقعوا منا حواراً سرياً جديداً بعد ذلك، فأنا لا أخفي على شعبي شيئاً، ولن أجالس الفاسدين».
وعليه، لم يجر أي تقدم ملموس في الصراع السياسي الجاري في العراق، لكن كان من الواضح أن مختلف الأطراف قد خفضت من تصعيدها الميداني المتمثل بإخراج جماهيرها ومؤيديها للتظاهر أو الاعتصام.

السعودية وإيران.. مجدداً

يذكر أن «وزير القائد» قد هاجم بشكل مخصوص رئيس تيار الحكمة العراقي، عمار الحكيم، إثر زيارته إلى السعودية، ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، بعد الاجتماع السابق، حيث بحثا خلاله العلاقات السعودية- العراقية بمختلف المجالات، ووفقاً للحكيم تطرق الطرفان في الاجتماع إلى «تطورات الساحة العراقية، وأكدنا أن الحوار بين مختلف الأطراف هو السبيل الأمثل للوصول إلى حلول مرضية للانسداد السياسي الحالي في العراق»، حيث قال «وزير القائد» من الملفت للنظر أن أحدهم توجه إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة بعد انتهاء جلسة الحوار ببضع ساعات، ولو كنا نحن الفاعلون لقالوا: إن جلسة الحوار كانت بضغط من الخارج وإشعار من التطبيعيين والأمريكيين وما شاكل ذلك».
وفي المقابل، كان قد صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في 15 آب «نوصي جميع الجماعات السياسية باحترام الدستور العراقي لحل الخلافات، والحفاظ على المؤسسات القانونية في هذا البلد. ونعتقد أن حل الأزمات يأتي من خلال الحوار، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية [...] نرفض التدخل في الشأن الداخلي العراقي، مع محاولاتنا لتقريب وجهات النظر السياسية بين الأطراف العراقية لتشكيل حكومة في العراق.. علاقاتنا مع مختلف الأطراف العراقية مستمرة بقوة ولا نقف مع أي تيار سياسي أو طائفي ضد الآخر [...] ننظر للعراق ككيان واحد واستقرار هذا البلد مهم جدا بالنسبة لنا».
لكن، وعلى الرغم من أن كلاً من تصريحي الخارجية الإيرانية، والحكيم حول اجتماعه مع بن سلمان، يبدوان متقاربين بضرورة الحوار، إلّا أن كل طرفٍ من الأطراف السياسية العراقية نفسها يُفسرّ الاجتماعين على مقاسهما، كما أن كلا التصريحين يتقاطعان باختلافهما مع موقف التيار الصدري الذي يرفض الاجتماع والحوار مع باقي القوى السياسية بالشكل الذي هو عليه الآن.
ضربة للمطبّعين وتهدئة التوترات قليلاً
تعد مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني مشكلة حامية في العراق، والتي بلغت أوجها سابقاً خلال مؤتمر السلام في أربيل، وما تلاه من صراعات سياسية داخلية، وضغط شعبي عراقي لبتر هذا الطريق أمام المطبعين.
لتصدر سلطات الحكومة العراقية يوم الاثنين الماضي 15 آب قراراً يقضي بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للسياسي العراقي الداعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، مثال الآلوسي مؤسس حزب الأمة.
حيث يعتبر الآلوسي أحد أبرز الأوجه في هذا السياق، ويعود تاريخه الواضح بذلك إلى عام 2004 حينما قام بزيارة رسمية له إلى «اسرائيل» قبل تأسيسه حزب الأمة، وزيارة أخرى في عام 2008، كما أنه شارك بالانتخابات البرلمانية العراقية في 2005 وربح مقعداً فيها، ثم خسره في عام 2010، قبل أن يفوز مرة أخرى بانتخابات 2014 ويترأس كتلة التحالف المدني الديمقراطي.
إن اتخاذ مثل هذا الإجراء من قبل الحكومة العراقية، وإن كان بضغط شعبي وسياسي بالدرجة الأولى، لا يعد كافياً بطبيعة الحال، إلا أن موعده ولحظته يبدو تنازلاً لصالح التيار الصدري بمقابل بعض التهدئة، خاصة وأن التيار كان يتوعد بإخراج أكبر تظاهرة له في شوارع البلاد، قبل أن يعلن مقتدى الصدر في 16 آب تأجيلها حتى «إشعار آخر».
تسير التطورات نحو ذروتها في العراق، ورغم أنها ليست المشكلة الحكومية الأولى بتاريخه منذ الاحتلال في 2003، إلا أن الملفت هذه المرة هو التراجع الملحوظ للدور الأمريكي الظاهر والمباشر على أقل تقدير، والذي يمثل تعبيراً عن تراجع وجوده العسكري في المنطقة خلال الفترات السابقة، مما يعني أيضاً تزايد فرص تمكن العراقيين من إنجاز التغيير المطلوب في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1084
آخر تعديل على الأحد, 21 آب/أغسطس 2022 22:34