الولايات المتحدة تحمّل روسيا مسؤولية ما خلّفته عقوباتها وتستجدي النفط الفنزويلي
مع استمرار تراجع الولايات المتحدة الأمريكية، فقدت كل أدوات ضغطها السياسي والعسكري وأخيراً الاقتصادي متمثلاً بالعقوبات التي تفرضها كل حين، لدرجة أن عقوباتها على الآخرين باتت تؤثر سلباً عليها وعلى حلفائها بالدرجة الأولى، بينما تدفع الدول المفروضة عليها إلى تنمية اقتصادها داخلياً، وتوسيع تجارتها مع دول أخرى، وأكثر من ذلك، بعملات أخرى.
من جملة العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة مؤخراً على روسيا إثر عمليتها العسكرية في أوكرانيا ما يتعلق بالنفط والغاز وتجارتهما، مما حدّ من تصدير النفط الروسي خارجياً وبشكل أساسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي تستورد عادةً قرابة 700 ألف برميل من النقط الروسي يومياً، لترتفع إثر ذلك أسعار المشتقات النفطية، مثل: البنزين والمازوت/ الديزل، وليرافق ذلك ارتفاع معدلات التضخم في البلاد التي تشهد أساساً تسارعاً في ارتفاع معدلات التضخم.
أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين عن توقعاتها بأن معدلات التضخم ستستمر بالارتفاع حتى نهاية العام الجاري، وكانت قد أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية، أن مستوى التضخم في الولايات المتحدة قد وصل خلال شهر شباط الماضي إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً (1982)، وبسبب التوترات الاقتصادية هذه خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن محملاً ما يجري إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلاً: «المسؤولية عن التضخم يتحملها فلاديمير بوتين إلى حد كبير... الديمقراطيون ليسوا من خلق هذه المشكلة. بل بوتين» معتبراً أن العقوبات «توجه ضربة مدمرة للاقتصاد الروسي» في حين أن من يعاني آلاماً اقتصادية متزايدة بسببها هي الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بنقص مواد الطاقة من الغاز والمشتقات النفطية، والارتفاع غير المسبوق بأسعارها، حيث وصل سعر ليتر الديزل في الولايات المتحدة إلى 1.26 دولار في 7 آذار مقارنةً بـ 0.94 في 10 كانون الثاني.
الاستيراد من فنزويلا
إثر هذه التطورات زار وفد أمريكي فنزويلا وعقد اجتماعاً مع مسؤولين في الحكومة الفنزويلية من بينهم الرئيس نيكولاس مادورو، ووفقاً للناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي، فإن «هدف الرحلة التي قام بها مسؤولون في الإدارة إلى فنزويلا، هو مناقشة مجموعة من القضايا، بما فيها الطاقة وأمن الطاقة»، ما يثير السخرية أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قامت في عام 2019 بفرض حزمة عقوبات على فنزويلا، من بينها كان منعها من تداول نفطها الخام الذي يمثل قرابة 96% من إيرادات البلاد، لتذكر صحيفة نيويورك تايمز الآن أن زيارة الأمريكيين لكراكاس مرتبطة باهتمام واشنطن باستئناف استيراد النفط من فنزويلا عوضاً عن الكميات التي كانت تشتريها من روسيا.
وأعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بعد ذلك، أن بلاده ستزيد من إنتاجها النفطي حتى مليوني برميل يومياً خلال العام الجاري.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس «أكدنا أننا سنعيد النظر في بعض النقاط من سياسة العقوبات» على فنزويلا بشروط متعلقة بتقدم المفاوضات بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة، في المقابل صرح وزير الخارجية الفنزويلي فيليكس بلاسينثيا «آمل أن يحترم الأمريكان سيادة وشرعية حكومتي.. الرئيس نيكولاس مادورو هو الرئيس الوحيد والشرعي للحكومة الفنزويلية، ويمكننا تحقيق الكثير في مجال تجارة النفط من خلال إقناعهم باحترامه» مشيراً إلى أن فنزويلا ليست هي من طردت شركات النفط الأمريكية، وإنما الأخيرة اتخذت قراراً بالمغادرة.
يرى بعض المحللين أن الخطى الأمريكية الجديدة تجاه فنزويلا تهدف بجزء منها إلى استمالة كاراكاس نحوها بالضد من روسيا، متناسين أن التحرك الأمريكي هذا يأتي بلحظة ضعف كبير وجوع شديد للنفط، وبطبيعة الحال، فإن تجارة النفط مع الولايات المتحدة تصب بمصلحة فنزويلا دون أن يؤثر ذلك بأي شكل من الأشكال على علاقتها مع روسيا، بل وأكثر من ذلك فقد أبدت الخارجية الفنزويلية استعدادها «للدخول في حوار سلمي» مع الاتحاد الأوروبي، وطالبت «برفع العقوبات القسرية عنها أحادية الجانب»، لكن كان لتصريح آخر لبلاسينثيا بقوله «نحن حلفاء حقيقيون للحكومة الروسية» إشارة إلى انتباه كراكاس لهذا الجانب، وتأكيداً منها بنسف هذه الأوهام الغربية... فضلاً عن أن تجارة النفط الفنزويلي سواء مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى تهدئة الأوضاع واستقرارها وإن بالحد الأدنى، ريثما تعاود موسكو نشاطها التجاري مع أوروبا مستقبلاً، وهو ما يتوافق مع المصلحة الروسية.
الأصداء داخلياً
يؤدي هذا التخبط الأمريكي إلى ارتفاع حالة عدم الرضا الاجتماعي لدى الشعب الأمريكي من جهة، ويزيد من حدة الانقسام داخل الإدارة، ويرفع من منسوب التوترات داخل البلاد.
وبإشارة على هذا الوضع، قام الرئيس السابق دونالد ترامب بمهاجمة بايدن إزاء مواقفه حول أوكرانيا، وما ينتجه ذلك، معتبراً أنه بات يتوسل النفط من الدول الأخرى بعد تخليه عن الطاقة الروسية، حيث قال خلال تجمع حاشد لمناصريه في ولاية كارولينا يوم السبت: «الآن بايدن يزحف حول العالم راكعاً على ركبتيه ويتوسل الرحمة من السعودية وإيران وفنزويلا»، منتقداً عرقلة بايدن لإنتاج النفط والغاز الطبيعي الأمريكي قائلاً: «لا أحد بهذا الغباء ... العالم كله يضحك على الولايات المتحدة».
وقال ترامب خلال التجمع أيضاً: «قد نضطر إلى التحرك مرة أخرى»، بإيحاء منه إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، معتبراً أنه يجب على الجمهوريين اغتنام الفرصة والربح بانتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب التي ستجري بعد 8 أشهر.
يبدو أن كل ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية، وكيفما فعلته، على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي لا يؤدي إلّا إلى تسارع شدة الأزمة والتوترات داخلها، في المقابل، فإنها تدفع الدول المستهدفة بعقوباتها إلى تنمية وتقوية اقتصاداتها داخلياً وتنمية علاقاتها مع حلفائها دولياً، مما يثبت عملياً، وبشكل متسارع، موازين القوى الجديدة وعلاقاتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1061