الكيان الصهيوني ونقاش جدول الأعمال مع الرئيس النائم

الكيان الصهيوني ونقاش جدول الأعمال مع الرئيس النائم

لم تتوقف التقارير والمقالات الصحفية منذ عودة رئيس وزراء الكيان الصهيوني نفتالي بينيت من واشنطن، فالزيارة التي انتظرها بينيت كثيراً، وروّج لآثارها ونتائجها السحرية على الكيان المأزوم تلقى كثيراً من الاهتمام، وتحديداً بعد إعلان الوفد الصهيوني أنه يحمل في جعبته الكثير من القضايا الوجودية التي بات من الضروري حسمها مع الولايات المتحدة؛ الراعي الرسمي للكيان.

البحث الدائم في تفاعلات أزمة الكيان الوجودية لم يعد يتطلب جهداً كبيراً، فالتحليلات والتصريحات وصيحات الاستنجاد التي يطلقها الصهاينة باتت مسموعة في كل أرجاء المعمورة، بل إن الحكومة الجديدة، والتي وصفها بعض قصار النظر بأنها مخرجٌ حقيقي من أزمة الكيان بدأت تتصدع بعد فترة قصيرة، ويبدو أن انهيارها بات مسألة وقت لا أكثر، وعلى الرغم من جاذبية استعراض التصدعات التي بدأت بالظهور تشكّل زيارة بينيت إلى واشنطن مدخلاً جيداً لتوصيف المشكلة!

نكتة جدول الأعمال!

غادر الوفد الصهيوني البيت الأبيض دون مؤتمر صحفي مشترك، معلناً نجاح زيارته ليعود بحجم مشاكل أكبر من تلك التي كانت موجودة قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى واشنطن. وتحدث رئيس الوزراء والوفد المرافق، قبيل بداية الزيارة، عن قائمة يحملها في جعبته ستكون على جدول الأعمال، وحاول بينيت الترويج إلى أن (وضع إشارة صح) بجانب كل بندٍ من بنود هذه القائمة يعني بالضرورة خطوة باتجاه نجاح هذه الزيارة! في خلطٍ طفوليٍ مقصود بين أهداف الزيارة وجدول أعمالها، ليكون قد أثبت من خلال هذه المسرحية عن حجم الأزمة الصهيونية و»الغموض الإستراتيجي» في مستقبل علاقتها مع الولايات المتحدة.
فحسب وكالات الأنباء «الإسرائيلية» ضمت قائمة بنيت 7 أو 8 بنود بينها 4 بنود معلنة، وكي لا ننجر وراء التسريبات والتكهنات، يكفي النظر إلى البنود الأربعة المعلنة، والتي تصورها بضع وسائل الإعلام الصهيونية بوصفها «نجاحاً باهراً» في الوقت التي ينتقدها عدد من القوى والشخصيات السياسية داخل الكيان.

البنود الخلافية الأربعة

يتربع على رأس البنود الأربعة المذكورة، ضرورة إعادة «البريق» للعلاقة المأزومة بين أمريكا والكيان، يعتبر بينيت أن الزيارة بحد ذاتها كانت كفيلة بإعادة البريق الضائع! فعلى الرغم من أن وجود رئيس الوزراء الصهيوني لم يكن ضمن أولويات البيت الأبيض، والذي أجل استقباله إلى يوم آخر بعد الأحداث الدامية في مطار كابول، وعلى الرغم أيضاً من الصور التي ينشرها خصوم بينيت للرئيس الأمريكي الذي يبدو وكأنه غفى لبعض الوقت أثناء حديث رئيس الوزراء الشيّق. يصرّ الأخير على أن البريّق موجود، وأن واشنطن جددت دعمها للكيان. لكن ما يغفله بينيت أن أزمة العلاقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أكبر من مجرد صورة تذكارية له في البيت الأبيض، بل هي مشكلة جوهرية تتمثل بالخلافات الإستراتيجية بين خطط الكيان والولايات المتحدة، على الرغم من أن الإثنين يعتاشان على الفوضى، إلا أن واشنطن ترى ضرورة بذل جهودٍ أكبر في مناطق أبعد من اهتمام الكيان الصهيوني، الذي يرى انسحابات واشنطن من الشرق الأدنى طعنة في ظهره، ولأن الجميع يدرك أن واشنطن لا تفكر في إعادة النظر في هذه التحولات الكبرى، يبدو سلوك الكيان هزلياً إلى حدٍ كبير.
بندٌ آخر على جدول الأعمال، تمثل في إعادة ترميم منظومة القبة الحديدية التي باتت تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة بعد الحرب الأخيرة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، المليار الذي يطلبه الكيان وعلى الرغم من أنه طلب ملّح ومستعجل ليس جديداً، وعلى الرغم من تأكيدات واشنطن القديمة على استعدادها لتقديم هذه المساعدة، إلا أنها لم تفعل حتى اللحظة، وما فعله بينيت في زيارته هذه هو أنه حصل على وعدٍ جديد من واشنطن بدفع المبلغ الذي يجب أن يوافق عليه الكونغرس قبل صرفه.
أما البند الثالث في جدول الأعمال، فيخص نظام التأشيرات، وهو قضية قديمة تعود إلى طلب رسمي «إسرائيلي» لاستثناء المواطنين الذين يحملون جواز السفر الإسرائيلي من الدخول إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة، وهنا حصل الوفد الصهيوني على وعدٍ آخر حول هذا الموضوع، على الرغم من أن هذه القضية لا تعتبر ضمن أولويات الكيان، لكن بنيت يرى إذا ما نجح في هذا المسعى بأن الداخل سينظر إلى هذا بوصفه إنجازاً جيداً للحكومة الجديدة القلقة. فالشباب العاطلون عن العمل الذين يشعرون بخطورة الأيام القادمة، باتوا ينتظرون من الحكومة «إنجازات» تمكنهم من الهرب لا أكثر، والأشد بؤساً من ذلك هو تبجح رئيس الوزراء بإنجازاتٍ من هذا النمط، كما لو أنه يقّر بأن «الحكومة الصهيونية الناجحة هي تلك التي تمكن المواطنين من الهرب بعيداً عن هذا الجحيم» والأكثر طرافة هو أنه من المرجّح أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة هذا الملف إلى الدرج لأنها لا تتحمس كثيراً لاستقبال مئات الآلاف من الشبان الباحثين عن العمل لتزيد من مشاكلها الداخلية.

إيران «المشكلة الكبرى»

لا يخفى على أحد، أن إيران تعتبر الملف الأهم في جدول الأعمال، وإذا كثفنا مجريات المباحثات ندرك أنه لا جديد يذكر هنا، واشنطن أكدت مجدداً تمسكها بالطريق الدبلوماسي للتعامل مع الملف النووي الإيراني، وهذا الموقف لم يتغير تحت الضغط الصهيوني منذ سنوات، وفي الوقت الذي يركز وفد بنيت ووسائل الإعلام على تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي أشار إلى إمكانية بحث سبل أخرى في حال تعثر الطريق الدبلوماسي مع طهران، وهو ما يجري تصويره بوصفه تطوراً في الموقف الأمريكي! حيث يجري إغفال أن السنوات الأربع التي قضاها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت تتمحور حول «بحث السبل الأخرى» ولم تصل الولايات المتحدة إلى مخرج من هذا المأزق إلا بعودتها للتمسك بالطريق الدبلوماسي أكثر من إيران نفسها في مفارقة فريدة تجعل صورة الولايات المتحدة تهتز أكثر أمام العالم.
بل إن المثير للانتباه هو ردود الفعل السلبية داخل الكيان نفسه بعد تداول الوعود التي قطعها بنيت في واشنطن بأن يتعهد بعدم الهجوم العلني على الاتفاق النووي الإيراني، واحترام مصالح الولايات المتحدة التي تقضي إتمام الاتفاق مع إيران، وهذا ما رأت فيه شرائح واسعة (داخل وخارج ائتلاف الحكومة الحالي) تراجعاً وتفريطاً بالموقف الصهيوني تجاه إيران النووية.

الارتدادات في الداخل

لا يمكن النظر إلى زيارة رئيس الوزراء الصهيوني إلى واشنطن بوصفها نجاحاً ما لم يثبت بالممارسة وجود تغيير في استراتيجية واشنطن المعلنة، وكل الإنجازات الجانبية ما هي إلا محاولات لكسب الوقت لا أكثر. لكن وكما تثبت التجربة باتت المحاولات الصهيونية المحمومة ترتد بشكل سلبي على الداخل الهش. لا شك أن ما قام به نفتالي بينيت هو مناورة لإيهام الرأي العام أن تقدماً يمكن إحرازه على جبهة ما بعد الخيبات المتكررة، وتقاطعت رغبة رئيس الوزراء هذه مع حاجة الولايات المتحدة لإرسال رسائل تطمين إلى حلفائها الذين باتوا يتراكضون هاربين بعد الأحداث الأخيرة في أفغانستان. لكن وبالعودة إلى داخل الكيان الصهيوني يظهر بوضوح استحالة القيام بأية خطوة دون خسائر هائلة، فأبسط تصريحات لرئيس الوزراء تهز الائتلاف الحاكم. فالحكومة الحالية هيكل فارغ غير قادر على إدارة الأزمة، وبقاؤه قائم مرهون بعدم اتخاذ خطوة بأي اتجاه. فتجميد الاستيطان مثلاً يمكن أن يسقط الحكومة، واستمرار الاستيطان يمكن أن يسقطها أيضاً، وينطبق هذا الوضع على معظم النقاط الخلافية التي يتوجب على أية حكومة في الكيان أن تتعامل معها.
الأيام القادمة ستظهر هشاشة الائتلاف القائم حالياً، والذي لن يصمد وقتاً طويلاً قبل أن ينفجر ويعيد حالة الاستعصاء السابقة، والتي ستنتج عنها هذه المرة سيناريوهات خطيرة، أفضلها بالنسبة للكيان، هو عودة مسلسل الانتخابات مجدداً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1034
آخر تعديل على الأربعاء, 08 أيلول/سبتمبر 2021 23:46