التطورات السياسية الليبية الأخيرة
ملاذ سعد ملاذ سعد

التطورات السياسية الليبية الأخيرة

تفاجأ الليبيون قبل أسبوع بعودة ظهور سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لأول مرة منذ عشر سنوات، متحدثاً عبر مقابلة صحفية مع روبرت ورث من نيويورك تايمز عن السنين السابقة وظرفه وتحليله ونيته للترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في آخر العام، وسط ردود فعل سياسية وشعبية متباينة.

ما غاية ظهور القذافي الآن؟

رغم أن ظهور القذافي خلال الظرف الراهن قد لا يكون له وزنٌ وأثرٌ حقيقي على سير الأحداث، خاصة وأن موازين القوى محلياً قد تغيّرت واختلفت بعد عقدٍ من الأزمة والحرب الطاحنة داخل البلاد، إلا أن رمزية الظهور في هذه اللحظة، ورمزية أن يجري هذا الظهور عبر وسيلة إعلامية أمريكية دوناً عن غيرها، ومحتوى المقال المنشور عبر الصحيفة، والذي يجري ضمنه تلميع صورة القذافي في الخارج قبل الداخل، كل ذلك يضع إشارات استفهام حول الأمر وغايته.
بطبيعة الحال، لا يزال القذافي بما يمثله من قوة سياسية- بصرف النظر عن وزنها فعلياً- جزءاً من الأزمة الليبية التي ينبغي حلها وتسير بهذا الاتجاه، إلا أن ما يجري الصراع حوله اليوم بين مختلف القوى السياسية الليبية وارتباطاتها الإقليمية والدولية يدور حول كيفية حل كل القضايا العالقة، وبحث ليبيا المستقبل، بدستورها وقوانينها وهيكلية نظامها وعلاقة المجالس السيادية مع بعضها البعض والخ.. وإخراج القوات الأجنبية من البلاد، بينما يظهر القذافي متحدثاً بلغة تعود إلى أكثر من عقدٍ من الزمن حول «الثورة» و«الحرب الأهلية» و«العودة إلى الماضي» ومعلناً عزمه الترشح دون التطرق إلى المشاكل الراهنة وكيفية حلها إن كان هناك مشروع لتياره بذلك أساساً، ليبدو الأمر مرتبطاً أكثر بالاسم وما يحمله من قوة عطالة لا تزال تؤثر لدى بعض الليبيين، سواء إيجاباً أو سلباً تجاهه، وليشارك بهذا المهرجان عددٌ من الشخصيات والقوى كالبرلمانية الليبية ربيعة أبو راس التي اعتبرت ظهور القذافي أمراً إيجابياً لمجرد هذا الظهور، وقبائل الحزام الأخضر التي أصدرت بياناً ترحب بهذا الظهور، وتعلن تأييدها عبر صناديق الاقتراع مستقبلاً، ووسائل الإعلام التي تداولت عشرات الأخبار حول الظهور من جهة، وردود الفعل بنوعيها من جهة ثانية بشكلٍ تحريضي.
إنّ هذا التحرّك السياسي والإعلامي الجديد ضمن التطورات الليبية- وبهذا الشكل، وعبر صحيفة أمريكية تحديداً- يشير إلى محاولة من بعض القوى محلياً وأمريكياً طرح وخلط أوراق جديدة ضمن مسار الحل، ومما برز حتى الآن، فيبدو أن المحاولة تسعى للتوتير والعرقلة عبر صنع انقسامات قديمة عفا عليها الزمن، إلا أن هذا السلوك نفسه يشير إلى استشعار هذه الأطراف بجدية الحل والانتخابات المقبلة، وبالتالي سعيها بشتى الأشكال لعرقلته، خاصة أن بعض وسائل الإعلام تداولت أنباء نقلاً عن مصادر مقربة من القذافي على حد تعبيرها، بأن المقابلة قد أجريت منذ شهر رمضان، ومستغربين من تأخر النشر وغايته في هذه اللحظة تحديداً، وهي محاولة لإبعاد أنفسهم عن الردود السلبية التي تلقوها.

القاعدة الدستورية

جرت- يوم الثلاثاء في 3 من الشهر الجاري- جلسة للجنة التوافقات المنبثقة عن ملتقى الحوار الوطني الليبي، بغية حل مسألة القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، لتعلن بعثة الأمم المتحدة عن فشل الاجتماع، وعدم تمكن اللجنة من التوصل إلى اتفاق حول أيّ من المقترحات الأربعة المقدمة، ليحيلوها مجدداً إلى الجلسة العامة المقبلة لملتقى الحوار الوطني الليبي يوم الأربعاء المقبل في 11 من الشهر الجاري.
ويطرح المقترح الأول: إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة دون أية شروط للترشح، بينما يختلف المقترح الثاني عنه بوضع شروطٍ على المرشحين، أما الثالث: فينص على إقامة مجلس تشريعي من غرفتين على أساس القاعدة الدستورية، ويجري انتخاب الرئيس بعد اعتماد الدستور، والمقترح الرابع هو: انتخاب هيئة تشريعية من غرفتين تختاران الرئيس في جلسة مشتركة على أساس القاعدة الدستورية.

فتح الطريق بين شرق وغرب ليبيا

أعلنت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 أواخر الشهر الماضي عن فتح الطريق بين شرق البلاد وغربها بعد توقف لأكثر من عامين (وكان قد سبقه فتح الطريق الساحلي)، وطلبت- في بيانٍ لها- من بعثة الأمم المتحدة إرسال خبراء أمنيين على الأرض للمراقبة، وطلبت من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الإسراع في تعين وزير للدفاع، بينما أكدت كذلك بدأها بـ «الإجراءات التحضيرية» لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد.
وقد رحب كل من قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، وعبد الحميد الدبيبة بفتح الطريق معتبرين إياه خطوة نحو البناء والتوحيد.

تحركات إقليمية ودولية جديدة

في سياق تطور الحل الليبي، وبالتوازي مع الخطوات المحلية سياسياً وميدانياً، يستمر العمل دوليا للضغط نحو إسراع الحل وتأمين ظروفه.
فقد أعلنت الخارجية الروسية في 2 من الشهر الجاري عن اتصال بين الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط والدول الإفريقية ميخائيل بوغدانوف مع المبعوث الخاص الدولي إلى ليبيا يان كوبيش، نوقشت خلاله القضايا المتعلقة بدفع التسوية الليبية وفقاً لقرارات مؤتمر برلين والقرارين الدوليين 2510 و2570، وتأكيد الاهتمام بالتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 24 كانون الأول، وتوحيد القوات المسلحة الليبية.
تبعه في اليوم التالي لقاء بين نائب وزير الخارجية سيدات أونال، مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرينتييف تطرقا خلاله إلى التطورات الليبية والعملية السياسية الجارية هناك.
وفي 7 من الشهر جرى لقاء مغلق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والليبي عبد الحميد دبيبة، ورغم أن الأنباء أفادت بأن النقاش دار حول «تعزيز العلاقات بين البلدين، وعودة الشركات التركية للعمل في ليبيا، وتسهيل إجراءات التأشيرة ومتابعة الملفات العالقة» إلا أن الأمر لا يحتاج كثيراً من الاجتهاد لمعرفة أن جزءاً هاماً مما جرى مناقشته هو خروج القوات التركية من ليبيا وفقاً للقرارات الدولية ومؤتمر برلين.
أما على الجانب الأمريكي فقد أكد السفير في ليبيا، ريتشارد نورلاند، بأن الولايات المتحدة وبالعمل مع تركيا وروسيا تسعى للمساهمة بخروج القوات الأجنبية من البلاد رغم «صعوبة الأمر» على حدّ تعبيره، وهو الوصف الذي تختبئ خلفه مساعي واشنطن بتأخير هذه الانسحابات بغية استمرار العرقلة والتوترات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1030
آخر تعديل على الإثنين, 09 آب/أغسطس 2021 23:13