الصهيوني (يرش على الموت سكر)... عن الشيخ جراح وأبعاد أخرى

الصهيوني (يرش على الموت سكر)... عن الشيخ جراح وأبعاد أخرى

يستمر متصاعداً نضال الفلسطينيين في القدس، وفي حي الشيخ جراح خاصة، ضد عمليات التهجير القسري والاستيطان والتهويد التي تخاض ضد فلسطين ككل وضد القدس بالدرجة الأولى...

لا شك في الأهمية الهائلة للقدس ضمن القضية الفلسطينية ككل، برمزيتها وجغرافيتها وتمركزها في قلب مطالب الشعب الفلسطيني وفي قلب هويته... وضمن هذا القلب فإنّ موقع الشيخ جراح الذي يتوسط القدس الشرقية يعطي زخماً وأهمية إضافية له ولصمود أصحاب الأرض فيها؛ لأنّ سيطرة صهيونية كاملة على الحي تعني تقطيع أوصال القسم الذي يسكنه الفلسطينيون ضمن القدس وهو خطوة يراها الصهيوني ضرورية لكسر إرادة المدينة وأهلها.
هذا البعد وحده في فهم المسألة ربما يكون كافياً بالنسبة لكثيرين، ولكنه لا يكفي لفهم ما يجري فعلاً، فهنالك عدة أطر وسياقات تجري ضمنها هذه الهبة.

بعد محلي

لا يستطيع أي من الذين يقدمون تحليلاً للهبة، أن يقفزوا فوق حقيقة أنّ الغطرسة الصهيونية ومحاولات التهويد والتراكم المستمر من الظلم والتوحش، هي في أساس هذه الهبة. وهذا توازياً مع إصرار وعزيمة الفلسطينيين التي لا تلين في نضالهم نحو حريتهم.
نسمع صدى هذا الكلام حتى في تحليلات الصحف ومراكز الأبحاث الصهيونية التي بات بعضها ينتقد تصرفات «الحكومة الإسرائيلية» التي «ورّطت» نفسها وورطت «إسرائيل» بسلوكها الأحمق اتجاه القدس...
ولكن يضيف البعض في قراءة اللحظة، أنّ لتأجيل الانتخابات الفلسطينية دوراً في ما يجري، فقد كان هذا التأجيل كالقشة التي كسرت الميزان؛ فبالرغم من أنّ الآمال المعقودة في كل من الضفة والداخل وغزة لم تكن كبيرة جداً على الانتخابات، إلا أنّه كانت هنالك آمال بلا شك، انعكس ذلك في عدد القوائم التي قدمت للانتخابات وقدرها 36 قائمة مقارنة بـ11 قائمة في الانتخابات السابقة. تعززت الآمال بشكل إضافي مع تشكيل البرغوثي والقدوة قائمة مستقلة من داخل فتح.
تأجيل الانتخابات جرى عبر التذرع بالمنع الإسرائيلي للانتخابات في القدس الشرقية بالذات، وهذا المنع هو الذي وصفه الكاتب الصهيوني يوني بن مناحيم في مقال له نشر باللغة العبرية في الموقع الإلكتروني لمركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة، بتاريخ 5 من الجاري بأنه «السلم الذي منحته إسرائيل لعباس لينزل عن الشجرة»...
خيبة الأمل التي ولّدها قرار تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، هي بالتأكيد أحد العوامل التي عززت من إحساس الشارع المقدسي بضرورة أن يتحرك باللحم الحي، وألّا ينتظر أحداً، وأن يفرض مجدداً معادلاته.
هنالك طبعاً من يحاول أن يصور الأمر وكأنما هو عمل حمساوي ضد فتح... ولكن هذا أسخف من أن يخضع لنقاش جدي، وعادة فإنّ من يطرحون هذا الطرح يحاولون الالتفاف على حقيقة أن الشعب الفلسطيني لا يقيم وزناً حقيقياً للانقسام الفصائلي منذ سنوات طويلة، والحق أنّ الفصائل المختلفة هي من تحاول الالتحاق بمواقف الشعب الفلسطيني لا العكس.

بعد إقليمي ودولي

بالقدر نفسه من السخافة، هي تلك التحليلات التي تبحث عن دور ما لإيران في تحريك الأمور في الداخل الفلسطيني المحتل، رابطة ذلك بالصراع الجاري حول الملف النووي الإيراني، والموقف الصهيوني منه.
ما ينبغي أن يكون مفهوماً في هذا السياق، هو أنّ قدرة الشعب الفلسطيني، وفي الداخل خصوصاً، على تحسس اللحظة السياسية للمنطقة والعالم، هي قدرة عالية وباتت أقرب إلى الحدس والفطرة. لأنّ شعباً يخوض السياسة والنضال السياسي بشكل يومي على مدى عقود طويلة، ينتهي به الأمر إلى وضع يصبح فيه فهمه للتحولات والاصطفافات الدولية فهماً حدسياً إلى حد بعيد...
وضمن هذا الحدس نفسه، لن يغيب عن الفلسطينيين أن هنالك عملية جارية يتم ضمنها تكسير رأس الإسرائيلي في سياق الملف النووي الإيراني، وأنّ هنالك تناقضاً ناشئاً بدأ بالاتساع وبالظهور إلى السطح بشكل سريع بين «إسرائيل» ككيان أو كمشروع وبين الولايات المتحدة والنخبة العالمية... وبكلام آخر، فإنّ إمكانية التضحية الجزئية بالكبش «الإسرائيلي» هي إمكانية باتت احتمالاتها ترتفع يوماً وراء الآخر. وعمق المسألة هو عجز الولايات المتحدة ومعسكرها عن الاستمرار في المواقع السابقة نفسها ضمن الصراع الدولي؛ فالمعركة مع القوى الصاعدة تتطلب إعادة توزيع وإعادة تموضع للقدرات الغربية المتناقصة أصلاً... وهذا ما يعبر عنه بشكل غير مباشر الساسة الأمريكيون على اختلاف اصطفافاتهم بالقول: إنهم يريدون التخلص من «الحروب اللامنتهية»...
سلسلة الأبحاث والدراسات المحملة بالرعب والخوف التي نشرتها خلال السنتين الماضيتين، مراكز أبحاث إسرائيلية عديدة، والتي تبحث مستقبل الكيان والخطر الوجودي عليه، والتي سبق أن مرت عليها قاسيون في أعداد متفرقة (كتابات يوفال ديسكين الرئيس السابق لشاباك مثلاً، وكذلك كتابات دان بن ديفيد الخبير الاقتصادي ورئيس معهد شورش الصهيوني للأبحاث، وغيرها الكثير)، هي مؤشر إضافي على استيعاب هؤلاء للتحولات الدولية العاصفة، والتي لم تكن صفقة القرن واتفاقات التطبيع سوى نكتة سمجة ضمنها، أفضل توصيف لها هو المثل الشامي: (يرشون على الموت سكر)!

آفاق

لا شك في أنّ نضالاً عاصفاً لا يزال أمام الفلسطينيين وأمام شعوب المنطقة بأسرها في مواجهة الكيان الصهيوني، وفي مواجهة المطبعين والمتعاملين معه من فوق الطاولة ومن تحتها. ولكن الأكيد أيضاً هو أنّ ما يجري في القدس الآن ليس حدثاً عابراً، إنما هو إيذان ببدء موجة جديدة من الحراك الشعبي الذي سيتعمق في فلسطين وسيجد طريقه إلى معظم البلدان التي زارها سابقاً... ولكن هذه المرة سيكون أوضح وأكثر تنظيماً، وأكثر تمرساً ونضجاً...
ضمن الخصوصية الفلسطينية، فإنّ هذه الحركة يمكنها أن تتحول إلى نقطة انطلاق لإعادة بناء الحركة السياسية الفلسطينية ككل... القادر من الموجودين على التكيف مع مراد الشعب سيبقى، وغير القادر سيتم تخطيه.

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1017
آخر تعديل على الإثنين, 10 أيار 2021 21:18