«تشاد» حلقة الوصل بين أزمتي القرن الإفريقي وليبيا: محاولة للتفجير
تعتبر تشاد إحدى أهم الدول الإفريقية إستراتيجياً، وكان دورها فاعلاً في مختلف الأزمات المحيطة بها، سياسياً وعسكرياً، حيث يعتبر جيشها كذلك من أهم القوى في المنطقة، مدعوماً من فرنسا بقوات عسكرية يقدر تعدادها اليوم بنحو 5100 فرنسي... لتجري الآن محاولات تفجيرها بمقتل رئيسها، وهي التي تمسّ حدودها كلاً من ليبيا (شمالاً) التي تمضي في عملية التسوية السياسية، والسودان (شرقاً) الذي لم تنفجر أزمته بالشكل المطلوب أمريكياً، وهو البوابة نحو القرن الإفريقي.
حكم نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي البلاد منذ عام 1990 بعد انقلاب عسكري على الرئيس السابق حسين جبري، واحتفظ ديبي بموقع الرئاسة لـ 5 ولايات متتالية امتدت لـ 30 عاماً، عبر دعمٍ غربيّ أبرزه من فرنسا، وكغيره من «أنظمة» المنطقة المشابهة، يعاني التشاديون من منظومة فسادٍ ونهبٍ لثرواتهم، وتوزيع مجحف للثروة أدت على طول الخط إلى تدنٍّ مستمر لمعيشتهم، ولمجمل اقتصاد البلاد، بالتوازي مع حكم عسكري وقبضة أمنية تحمي الناهبين وتقمع الأصوات المعارضة لها، وقد أنتج ذلك ظرفاً مناسباً للاستغلال الخارجي والإرهابي عبر إنشاء بؤر لجماعة «بوكو حرام» التابعة لتنظيم «القاعدة»، داخل تشاد مثلما في الدول المجاورة، بغية إدامة الاشتباك والاستنزاف من جهة، وخدمةً للناهبين من جهة أخرى لاستمرار فرض الحالة العسكرية والأمنية داخل البلاد.
بطبيعة الحال، أنتج هذا الظرف ردود فعل شعبية، انطلقت خلالها مظاهرات داخل التشاد خلال الأشهر السابقة منددة بالنهب والوضع المعيشي والحكم، ومن أبرز تيارات المعارضة «جبهة التغيير والوفاق» التي يعتبرها التشاديون لا تختلف كثيراً عن منظومة ديبي، التي نشطت منذ عام 2018 للإطاحة بالنظام القائم، ويدور بين الطرفين صراعٌ على السلطة لا يملك الشعب بها لا ناقة ولا جمل.
بدأ التوتير الأخير مع الانتخابات الرئاسية في البلاد، كانت قد سبقتها تصريحات من ماكرون في شهر شباط تشير برغبته بسحب قوات فرنسا من «مالي» وهي من الدول المجاورة لتشاد غرباً، بالتوازي مع مجمل الانسحابات العسكرية الغربية أمريكياً وأوروبياً في العالم، مما فتح باب القلق داخل نظام ديبي من احتمالية سحب القوات الفرنسية وأثرها داخلياً، وبالمقابل فتح لقوى المعارضة باباً للهجوم.
مع اقتراب موعد الانتخابات بدأت أصداء «حرب أهلية» تبرز، حيث هاجمت جبهة «التغيير والوفاق» المعارضة في 11 من الشهر الجاري، وهو يوم بدء الانتخابات، بلدة زواركيه وسيطرت عليها، إضافةً إلى توترات بعددٍ من البلدات والمدن الأخرى في الشمال، في زحفٍ «قادم من ليبيا» وجهته العاصمة انجمينا.
في الـ 20 من الشهر أعلن فوز إدريس ديبي الانتخابات الرئاسية لولاية سادسة، وكانت قد سبقته بيومين دعوة واشنطن عبر وزارة خارجيتها لدبلوماسييها ومواطنيها بمغادرة التشاد «بسبب هجمات محتملة»!
في اليوم التالي من إعلان فوز ديبي، صدرت أنباء مقتله على جبهة القتال مع «المتمردين الشماليين»، وأعلن الجيش التشادي بعدها على الفور إقامة مجلس عسكري انتقالي بقيادة الجنرال محمد الديبي، نجل الرئيس الراحل لتولي السلطة في البلاد، مما أثار سخطاً شعبياً ومن تيارات المعارضة على موضوعة التوريث ومخالفتها للدستور، ويستمر الاقتال المسلح بين الجيش التشادي وقوى المعارضة المسلحة حتى لحظة كتابة هذا المقال.
ليبيا والسودان
أدى هذا التطور التشادي إلى قلق لدى جميع الدول المجاورة، أبرزها: ليبيا التي لا تزال بخطواتها الأولى في طريق الحل السياسي، خاصةً وأن القوى المعارضة المسلحة جاءت من أراضيها جنوباً، وهو ما يضع إشارة استفهام بل وربما جواباً، عن مصير بعض القوى المسلحة التي كانت تقاتل في ليبيا، وإعادة توجيهها نحو مناطق أخرى، حيث طالب مجلس النواب الليبي عبر بيان رسمي القوات المسلحة لحماية الحدود الجنوبية للبلاد ودعا «اللجنة العسكرية (5+5) بالإسراع في توحيد المؤسسة العسكرية» في ليبيا. من جهتها قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان أيضاً: إن الخرطوم تتابع «بقلق بالغ تطورات الأحداث الجارية في تشاد وتدعو كافة الأطراف للتهدئة ووقف الاقتتال»، كما جرى تواصل وتنسيق ليبي سوداني بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، حول أوضاع التشاد.
وقد أعلن المتمردون المسلحون يوم الأحد استعدادهم للالتزام بوقفٍ لإطلاق النار وبحث تسوية سياسية بتصريحٍ من رئيس جبهة الوفاق من أجل التغيير، محمد مهدي علي قائلاً: «اليوم لا بد من حوار شامل، يشترك فيه كافة الطيف السياسي في تشاد».
فهل ستفشل أيضاً طموحات من له مصلحة بالتوتير والاقتتال، بمقابل خفض التصعيد والحلول السياسية كما يجري في أغلب الملفات؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1015